جاري تحميل ... مُدَونة كِتَاف

إعلان الرئيسية

إعلان في أعلي التدوينة


 في رحاب قراءاتي في علم النفس، توقفت طويلاً عند تجربة (الاكتئاب)؛ ذلك الضيف الثقيل الذي لا يكتفي بإحالة الألوان الزاهية إلى رماد، بل يجثم على الروح فيُفقدها بوصلتها وإحساسها بالحياة.

إن أصعب ما يواجهه من يسكنه هذا الألم، ليس الألم ذاته فحسب، بل تلك النظرات الحائرة، والأسئلة التي تأتي بقصد الاطمئنان أو ربما بنبرة العتب والانتقاد: (ما بك؟)، (لماذا لا تنهض؟). أسئلةٌ تبدو بسيطة، لكنها تضرب في عمق العجز الذي يشعر به، غافلين عن أن المسؤول ربما يكون هو نفسه تائهًا، يبحث عن هذا الجواب في داخله فلا يجده.

في هذه الأبيات، تقمّصتُ صوتَ المكتئب وهو يجيب سؤال: «ما بك؟». ولم أردْ أن أجادل الاتهامات المُعتادة والتشجيع البارد من قبيل «شدّ حيلك» بقدر ما أردتُ أن أُري القارئ كيف يبدو النهار من داخل غيمةٍ كثيفة: محاولاتُ نهوضٍ تتكسر، وخططٌ قصيرةُ النفس، ووعدُ شروقٍ لا يكتمل. في محاولة لتجسيد التجربة بصدقٍ لغويّ، لا بوصفةٍ علاجية؛ لعلّها تُعين على الفهم، والفهم أولُ العافية.

بيانٌ من حافّة العتمة

أَرَانِي  فِي  الظَّلَامِ  بِلَا جَوَابِ ... وَرُوحِي تَشْتَكِي طُولَ العَذَابِ

أُحَاوِلُ  أَنْ  أُمَيِّزَ  مَا جَرَى لِي ... أَأَمْرِي أَمْ زَمَانِي فِي انْقِلَابِ؟

أَسِيرُ وَلَسْتُ أَدْرِي أَيْنَ دَرْبِي ... كَأَنِّي   تَائِهٌ   خَلْفَ   السَّرَابِ

ضَمِيرِي  صَارَ  يَحْمِلُ أَلْفَ لُغزٍ ... وَقَلْبِي قَد أَحَاطَ بِهِ  اغْتِرَابِي

يُمَنِّينِي   الشُّرُوقُ   فَلَا  أَرَاهُ ... وَيُغْرِينِي   الجَمَالُ  بِلَا  جَوَابِ

وَأَجْمَعُ فِي الصَّبَاحِ شَتَاتَ عَزْمِي ... لِأَبْدَأَ رِحْلَتِي بَعْدَ الغِيَابِ

أُقَاوِمُ كُلَّ يَوْمٍ ثِقْلَ هَمّي ... لِأَبْنِي الرُّوحِ مِنْ بَعْدَ اليَبَابِ

أَصِيحُ: اليَوْمَ يَوْمُكَ سَوْفَ تَحْيَا ... وَتَتْرُكُ    كُلَّ   مَاضٍ   لِلْعِتَابِ

فَأَنْهَضُ  فِي  الغَدَاةِ بِكُلِّ عَزْمٍ ... كَطِفْلٍ   مُقْبِلٍ  نَحْوَ  الصِّحَابِ

وَأَرْسُمُ  خُطَّةً  لِلْيَوْمِ  أَسْعَى ... لِأَمْلَأَهَا     بِأَفْعَالِ     الصَّوَابِ

وَلَكِنْ   مَا  يَمُرُّ  الحِينُ  حَتَّى ... يُجَرِّدُنِي  الهَوَانُ  مِنَ  الحِرَابِ

أُحِسُّ  بِثِقْلِ رُوحِي قَدْ تَهَاوَتْ ... فَأَسْقُطُ وَاهِنًا رَهْنَ اضْطِرَابِي

بِدَايَاتِي    تَصِيرُ   إلى   عَزَاءٍ ... وَعَزْمَاتِي  كَوَمْضَاتِ  الشِّهَابِ

نَسِيتُ  العَيْشَ يَوْمًا دُونَ هَمٍّ ... نَسِيتُ  اليَومَ  أَترَاحَ  الشَّبَابِ

كَأَنِّي  قَدْ  فَقَدْتُ دَلِيلَ دَرْبِي ... وَتَاهَ  الوَعْيُ  عَنْ مِفْتَاحِ بَابِي

أُرِيدُ   العَيْشَ   لَكِنِّي  ضَللتُ ... طَرِيقَ الحَيِّ فِي هَذَا الخَرَابِ

ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

تزدان المدونة بتعليقاتكم وملاحظاتكم.

إعلان أسفل المقال