كاريكاتير فهد الجبيري، تويتر: faljubairi |
لا غرابة من الشر الذي كتبه طارق السويدان في تغريدته القبيحة أعلاه، ولا غرابة في حذفها، ولا في ترقيعه المتكرر لمثل هذه المكايدات.
فاشلٌ تائه، تاجر بالسنّة النبوية وبقصص التابعين حينًا من الزمن لأجل حشد الناس حوله وصياغة سيرة ذاتية له ذات جمهور، كما ذكر ذلك عن نفسه، وكان يسير أيّام الفتن بين دول الثورات حاملًا معه نون العظمة التي لا يستحقها إلا القادة التاريخيين الذين يمتلكون أدوات حقيقية للتعامل مع فقه الواقع من دول وجيوش ومؤسسات، لا ثرثرات وتزكيات، ويلقي نون العظمة هذه مقيدةً بأفعال الأمر في أسماع الثوّار يعدهم بالأحلام ويضع لها تحليلًا يزيد حمم صدورهم اشتعالًا لأجل المزيد من الثورة، ولزملاء الحزب المشتت مستعرضًا جولاته المكوكية هنري كيسنجر زمانه.
ولما حال أمرهم إلى يباب، وتبعثرت الوعود، وحلّت عليها سنّة قطع الخوارج التي أخبر بها نبينا ﷺ، وما بني على ذلك من نقصٍ لخير مضى وزيادة في شرّ كان كامنًا وفتنة نائمة؛ وجد نفسه أمام تجارته المعتادة وعائلته، ولقاءات باهتة أغاظه خفوت البريق عنها من الملايين التي غرته بضجيج بلا بركة إلى عشرات يتمسكون ببعض اهتمام، وبقايا وهم، وانهيار ما كان يظنه مشروعًا لحزبه، وكان في حقيقته أداة توصل المتربصين مفازة نحو فوضى مقصودة يمنع فيها الحسم، ولا يجوز في أبجدياتها إلا تقسيم المنطقة لخرائط دم، تستبدل فيها الجيوش بالميليشيات، والقادة أو الطغاة -مهما كانت تسمياتهم لهم- إلى ألف قائد له حزب.. أو ألف طاغية له ميليشيا.
وتحولت أحبار مثرثريهم الذين يسمون بمفكريهم، وتربية محاضنهم، ووعاظ السياسة في منابرهم، من حشود حالمة قيل لها أنها المارد المفيق والذي سلميته ستجعل الدول تسلم السلاح والقادة والماضي لها بكل سرور، والقدر يتحول إلى عبد ذليل لا بدّ أن يستجيب لمن يريد الحياة، أقول: تحول كل هذا إلى غرقى في البحر المتوسط، ومرتزقة في معارك ليست لهم، يقاتل فيها السوريّ الليبي، ويلتفت السوري من نافذته فيجد الإيراني والشيشاني والأوروبي والكندي والعربي من موهومين وعملاء، وبقية منهم يصيرون جثثًا مقطعة في رحلات مافيا بيع الأعضاء، وتغيير ديموغرافي ممنهج لديار أهل السنة، ومن بقي على قيد الرعب يتنفس، يتم ضربه الآن بالهروات في حدود إيران، وبين ثلوج روسيا، وفي شواطئ أوروبا، وإطلاق النار عليهم على حدود تركيا، من قوات أمن شعوب استنكرت هجراتهم، وسئموا شعارات دعمهم، وصرخوا فيهم أن عودوا لإنهاء ما بدأتموه، أو موتوا دونه، فما ثمّ رزق لكم عندنا.
لو حثّ إنسانٌ إنسانًا على مشاجرة، وأطاعه حبًا لما يظنه دينه، وإحسانًا للظن لما يظنه حكمة منه ثم هلك في خضمّها، لبقي المحرِّضُ خائفًا من أثر نصيحته، وقلِقًا من عظم إثمه، ولندب حظه ما بقي له نفس، ولتمنى أنّه حجر في فلاة ولا تورط بهذه الورطة التي ربما أزالت عنه فسحة من دينه فـ «لا يزال العبد في فسحة من دينه ما لم يصب دما حراما»، ولاستغفر منها ما بقيت أنفاسه إن ظلّ في قلبه ذرّة إيمان وفتات إنسانية.
لكنّ أهل الفتنة والخوارج عبر التاريخ وسيعو الوجه، جعلوا عاقبة المتقين جزرة معلّقةً أمام حمير، والاعتراف بالخطأ والهزيمة والفشل دونه فتنٌ أخرى مشغولون بالاتجاه إليها، وإذا أحيل بينهم وبينها لجؤوا لكلمة الفتنة، ينفضون بها الرماد عن وميضها.
ولا أجد شيئًا أشبه بهم إلا طائر الحدأة، تلك الفويسقة الخبيثة الموسّعة للنيران ولو كانت بفتيل برعمة، والتي تعتبر ما تجده بين حطام الحرائق من ديدان وجثث متفحمة نافقة ألذّ طعامها وأنفع غنائمها.
تزدان المدونة بتعليقاتكم وملاحظاتكم.