جاري تحميل ... مُدَونة كِتَاف

إعلان الرئيسية

إعلان في أعلي التدوينة



لعله مر عليك كمواطن سعودي في مواقع التواصل أو القروبات أو الحالات من يستعرض همزًا ولمزًا وسخرية من حسابات سعودية وقف أصحابها مع وطنهم ضد شخصيات أو دول كانت على عداء معها، مهما بلغت درجة هذا العداء، في الأوقات الذي تنطلق فيه إشاعات عن مبادرات للمصالحة، أو بدايات للحوار.. ونحو ذلك.

هذه (الشماتة) لا تظهر إلا مع الأخبار المملة والمتكررة حول وجود تواصل (سعودي/تركي) أو (حوار سعودي/قطري)، ونحو ذلك من المواقف، والتي قد تصدق يومًا، وهذا شأن متعلق بالدولة وأجهزتها وقيادتها.

وكانت من أعجب المشاهد التي تتكرر أمامي أن تجد معرّفات يفترض أنها سعودية، وترد على كل سعودي بفرح عجيب، وضحك عليهم وسخرية منهم: امسح.. امسح! وقد يمسح بعض مشاهير المرحلة بعض التغريدات القاسية لأنها بكل بساطة لا تناسب مرحلة التقارب والمصالحة إن وجدت، وهذه من النبالة.

وطبعًا السبب بالنسبة لي واضح، وأعتقد أنه واضح لديكم، فهو معبر عن (سخف) هذا النوع من (التذاكي)، فهو بين محاولة لفت عضد أي سعودي يعيش مواقف وطنه، والانتقام من هذا النوع من الوقوف غير المرحب به من قبل أصحاب الفكر المعادي للوطنية السعودية (فقط، أما العثمانية كالعسل على قلوبهم)، وتشويه أصحاب هذا الاتجاه الذي يربط تصور الناس بتصور مؤسسات وطنه، فمواقفه المواطن المرتبطة بالسياسة إذا ارتبطت بمؤسسات وطنه كانت هذه قاضية ضد فكرهم.

ما يهمني هنا: الإجابة على السؤال المعنون أعلى الموضوع، والأسئلة الشارحة له أو المتفرعة عنه:

  • ما موقف المعرفات الوطنية حينما تعود المياه لمجاريها بين السعودية وقطر؟
  • هل سيحذفون أرشيفهم؟
  • ألا يخجلون من أنفسهم؟ ياللحرج!

وبالنظر للتجارب السابقة مع الإشاعات التي توالت حول قرب المصالحة مع تلك الدولة، أو إشاعات حول بدايات تقارب مع أخرى.. ونحوها من الإشاعات المتكررة، فالأسئلة التي يجب أن تطرح هي التالي:

  • لماذا هذه الفرحة المرتبطة بعداء ضد معرفات كانت متخصصة لجلد إعلاميي تلك الدول؟ 
  • ولماذا محاكم التفتيش ضد المعرفات التي كانت تهاجمها وقت أن تواطأت أجهزة الدولة لدينا على تصنيف هذه الدول أو الشخصيات تصنيفًا يضعها في خانة تستحق الهجوم فهاجمها السعوديون؟
  • هل هذه الفرحة تعني أنهم كانوا يمتلكون موقفًا سلبيًا من مقاطعة هذه الدولة أو مهاجمة تلك الشخصية من خلال الإعلام الرسمي؟ لكنهم لم يستطيعوا الحديث بسبب (اليوم وفورًا) وما بعدها، والتي جعلتهم أكثر حذرًا في إظهار الكوارث التي كانوا يعلنونها، وتصل لدرجة الخيانة العظمى؟

هذه هي الأسئلة التي يجب أن تقال بوضوح وصرامة، وتقلب الأمور ضد هؤلاء، فلا تضع أي شخصٍ وقف مع وطنه، بتصوراته المتينة عن الحالة السياسية واتجاهاتها، في زاوية الدفاع عن النفس.

الزاوية، والدفاع عن النفس، مكان هؤلاء من أهل الفتن، لا مكان أهل الجماعة.

إن السعودي الذي يمتلك عقله يعلم جيدًا أن اتجاهات دولته مبنية على تصوراتٍ عَمِلَت على تشكيلها مؤسسات عريقة ذات ميزانيات ضخمة وكوادر متخصصة وقيادات خبيرة ومتمكنة، ذات عملٍ يوميٍ لا يتوقف، فحين يحل موعد العداء والحشد ضد دولة أو جهةٍ ما، أو الهجوم، فحينها ستجد من يهتم بالنشر يقف مع دولته عفو الخاطر ضد هذه الدولة أو تلك ويكون جنديًا لها في هذه المعركة، لأن مصالحنا متقاطعة مع مصالح دولتنا في أمننا الديني والاقتصادي والسياسي والاجتماعي والغذائي.. إلخ، فمصيرنا واحد، كأقل ما يربط بيننا، وإلا فالعلاقة أعمق وأكثر ودًا وعاطفة ودلالة من حدّة المصالح.

وحين تعلن الدولة انتهاء العداء فهنا يقف الإنسان مع بلده في هذه السراء كما وقف في ضراء التوترات، ولا يعتبر متناقضًا ولا ازدواجيًا، وكل شتيمة أو انتقاص وقت العداء مع جهة ما، فهي صادقة وفي وقتها وزمانها، ويُفتخر بها، وهذا التأثير للزمان والمكان والظروف يقع في أمور الفتوى فما بالك بالاتجاهات السياسية؟ بل وهي سمة أساسية من سمات التاريخ الفقهي لكثير من العلماء، والمفكرين، وهي يعلمون ذلك حين يسخرون، لكن المراهنة على من لا يعلم، وينجرف في السخرية، أما من يعلم، فما تخفي صدورهم أكبر، ولن تستطيع أن تقول لهم: امسح.. امسح! فلم يكتبوا حرفًا للدفاع عن الوطن إلا بقدر ما يحافظ على ما يدّعون أنه مكتسبات، وهو أندر من الكبريت.

لكنك لا تجد من يعير أهل الفتوى أو الفكر حين يتبدل الرأي لديهم بناء على تغير المعطيات واختلاف ظروف التصور، أو يتجهز للسخرية منهم، أو العداء، لا؛ بل لا تجد إلا الثناء، أما الهمز واللمز فهذا موجّه للشخصيات التي وقفت مع وطنها، وليس في كل القضايا، بل في قضايا تحوم حول دول تحتضن وتدعم الأحزاب التي ينتمون لها دينًا وعقيدة وهُيامًا وعشقًا.

إن توجيه تصورك مع تصور دولتك أكثر اتزانًا وثُقلًا وأمانًا وبركةً من توجيهه مع حمقى التصورات، الذين كانوا يظنون أنهم مستقلون (إذا أحسنّا الظن طبعًا)، بينما تصوراتهم توجهها قناة الجزيرة والعربي والحوار، وحسابات كرصد والأناضول ومجتهد وكل الحسابات التي كانت ولا زالت ضدنا على طول الخط، ضدنا وجوديًا وليس بسبب سياسي طارئ.

وانظروا كيف كانوا يستدلون بأمثال ابن باز وابن عثيمين رحمهما الله تعالى، وليتهم يتعلمون من هذين العالمين كيفية ربط التصور الذي لا يقدرون على استيعابه، ولا يستطيعون امتلاك أدواته، بتصورات دولتهم، فبارك الله في علمهم، ونفع بهم وطنهم والأمة جمعاء ليومنا هذا.

بينما المتخبطون في ظلام الاستقلالية المزعومة، أنتجوا أكثر التصورات هراءً في التاريخ، وهذا حُكْم الزمن عليهم، لا حكم الدولة، ولا من يخالفهم فكريًا، لا، كان الزمن كفيلًا بأن يشير إلى ما نأت عنه الأيام من إنتاجهم، ويقول لكل ذي عقلٍ: تعال وانظر لهذا، وقل لي ما يكون؟ فتقرأ وتطالع، وتخجل من كمية السخف الذي كان ينشر في الجيل وكأنه فتحٌ من الله عظيم، وذاك ابن تيمية زمانه، والآخر أفقه بواقعنا من ابن باز وابن عثيمين، فإذا إنتاجه السُّخف بعينه، وتتيقن درسًا من دروس الحياة وهو أنه من الممكن جدًا أن تجتمع الحماقة والثقة بها مع حفظ أكبر كمية ممكنة من الآيات والأحاديث ودسها بين الكثير من «الهَبد» والهراء الإنشائي، فتجني حماقته على كل نشاطه الجميل ابتداءً (من طلبٍ وحفظٍ وتزكية للنفس.. وغيرها من معالي الأمور)، قبل أن يوردها بحماقته وجرأته موارد الهلاك، كما قال الأول:

إذا ما لم يفدك العلم خيرا * * * فخير منه أن لو قد جهلتا
وإن ألقاك فهمك في مهاوٍ * * * فليتك ثم ليتك ما فهمتا 

فأثاروا الزوابع، نفخًا في أوار، وإذكاء لنار، كل هذا بسبب العِناد العجيب الذي رفضوا من خلاله التصورات التي تشكلها دولتهم عن الأعداء والأصدقاء، وما فيه ضرر من البلدان والشخصيات والجماعات على مصلحة بلدنا، وليته عِنادٌ مبنيٌ على تصورٍ عميق، لا، وإنما على كتلة من الشعارات التي حين جاء المِحك رأيناهم يلقونها وراء ظهورهم.

إن هذا الشاب الذي تبدل مع دولته: على حق، وموقفه سليم ١٠٠٪، وهو العقل والحكمة، وأطهر من الذي كان ثابتًا ثباتًا يسوّد الوجه مع أعداء وطنه في هذه الخلافات، فأثناء المواجهة يصمت بينما مشاعره وقلبه ومفهوم كلامه مع تلك الدول، وهذا ليس افتراء، بل عرفناه من لحن القول، بل وصريحه، منذ اليوم الأول لأي توتر مع أي دولة، وحين يحصل الصلح وترضى السعودية عن تلك الدول المارقة سيأتي مهرولًا وفاغرًا فمه بشماتة ساخرة: انظر لكلامك السابق، هيا احذفه، لقد كنت تشتم، والآن الأمور على ما يرام أيها المتناقض.. إلخ هذه الخزعبلات التي هي احتفالية عظيمة لما يظنها -ومن كل قلبه وعقله- عودة للأمور إلى ما كانت عليه من قبل..

وهذه حماقة أخرى كذلك!


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

مقالان مرتبطان بالموضوع:


ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

تزدان المدونة بتعليقاتكم وملاحظاتكم.

إعلان أسفل المقال