جاري تحميل ... مُدَونة كِتَاف

إعلان الرئيسية

إعلان في أعلي التدوينة



رأى النبي ﷺ شابًا يتبع حمامةً في السوق، فقال لأصحابه: «شيطانٌ يتبع شيطانة».

وقد فسر العلماء هذا الوصف الحازم لكون تتبع الحمام من ملهيات أهل ذلك الزمن من الشباب، فيغرقون في الاهتمام بها حتى يغفلون عن المسؤوليات الدينية والدنيوية.

ولك أن تتساءل حين تقارن مستوى اللهو الذي توفره تلك الحمامة مقارنة بما يتتبعه الجيل من مشاهير وعروض عن طبيعة الوصف المناسب لهذه المرحلة؟

كانت برامج اللهو قديمًا محاطة بعناية واهتمام ورقابة بدرجة يضمن لك -على الأقل- تفاهةً تتخللها بعض القِيَم والمعاني، وخالية مما يشوبها غالبًا، وكان يجتمع لها فرق عمل من مؤلفين وكتاب سيناريو ومخرج، ثم يتبع عملهم رقابةٌ رسمية كانت نُدرة الإعلام في حرصها الغريب، وحذفها الوقائي المبالغ فيه، ثم يعرض الناتج النهائي في وقت محدود ومقيد في التلفزيون، لا يمكن تعويضه إذا لم تدركه، وفي النهاية يجلس لها الجيل من مراهقين وأطفال، وفوق هذا كان الجادون يتمعّرون من هذا الجلوس للتوافه، ويتباكون في المنابر، ولم يدركوا أنهم سيبكون عليها.

أما اليوم، فيأتي طفلٌ أو مراهق أو شاب أو «فاشينستا»، لا يدرك واحدهم أبجديات الخطأ والصواب الإنسانية، فضلًا عن الشرعية والنظامية العرفية، لا يرى حدودًا حتى يلتزمها، يقوم بتشغيل الكاميرا بلا اجتماع عمل ولا فريق ولا رقابة ولا خطيب يبكي بسببه في المنبر لأنه لا يعلم بوجوده أساسًا، لأنهم لن يستطيعوا إدراك كمية المشاهير، فضلًا عن إدراك هذا الكم من الجماهير، فيجتمع له الملايين من متابعي جيله، يلعب أمامهم، أو يصنع المقالب، وخلال ذلك يحكي كلامًا لاهو حق ولا باطل، يتكلم كثيرًا لكنه لا يقول شيئا، الكثير من الكلمات والألفاظ، والقليل من المعاني، ولا هو من (تفاهة الطيبين)، بلا وقتٍ مقيّدٍ بنشرة أخبارٍ قبله، وبرامج بعده، بل أوقات لا محدودة، هائمة في أوقات الآخرين، يريهم ذاك المنتج، وربما يزجرهم كما الأطفال، وهم كجمعٍ يقف بخشوع أمام صنم الشهرة، تعلوهم السكينة، والخضوع.. والاستسلام التام، يشترون ما يقول لهم أن يشتروه، ويكرهون ما يقول لهم أن يكرهوه.

وقد وقعتُ على شهيرٍ جعل إحدى حلقاته بثًا مباشرًا له وهو نائم، وكان يتابعه معجبوه طوال ساعات نومه، وآخر جعلها بثًا مباشرًا له وهو يذاكر دروسه محاطًا بنشاط مجنون من التعليقات والإعجاب والمشاركة، ومئات المشاهير خصصوا حلقات لهم وحسابات وقنوات في يوتيوب وهم يأكلون بلا حرفٍ واحد، والملايين يتابعونهم وهم يأكلون بصمت، واشتراكات وإعلانات على نشاط صامت هو والعدم سواء، ويملأ أوقات الناس كل يوم بشيء لا يمنحهم قيمة ولا معلومة، وفي الحقيقة لا شيء مطلقًا، ويختطف أوقاتهم الثمينة كل ليلة، غير النساء اللاتي يعتكفن كل ليلة أمام شهيرات بمحتوى متكرر، من ثرثرة باهتة عن العلاقات، وجولة في السيارات مع الرقص على الأغاني، إلى (مساك الله بالخير يمّه)، وساعات العمر تصرف على الحياة اليومية العادية لأناس آخرين.

فإذا كانت تلكم الحمامة وصاحبها شيطانان بوحيٍ يوحى، فبالله عليكم، ما هي نظرة الوحي التي سيصف بها هؤلاء لو كان ينزل ليومنا؟!!
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

تزدان المدونة بتعليقاتكم وملاحظاتكم.

إعلان أسفل المقال