جاري تحميل ... مُدَونة كِتَاف

إعلان الرئيسية

إعلان في أعلي التدوينة


     بدأ فصل الشتاء، وكما أن للمواسم الدينية طقوسها، ومن طقوسها ما هو فرض عين، فللشتاء طقوسه الاجتماعية المفروضة، ومن طقوسه النزهة في الصحراء، وإلا سأبدو غريبًا في مجتمعي، وشاذًا عن الاتجاه العام فيه، وربما اتَّهمُ بالسباحة ضد التيّار، واعتزال الناس، طمعًا في الشهرة، ولا بأس أن يأخذ البعض بدور فرويد (أو طارق الحبيب) في تحليلي نفسيًا وجوهريًا، وإن لم يكن تحليلًا راقيًا في عيادة نفسيّة، بل سوقيًا يجعله يسحب لسانه ويلوّح به شتمًا وقذفًا.. وغيبة.

     من أكون حتى لا أخرج للصحراء بعد نزول الغيث؟! وكيف أجرؤ على البقاء في البيت والمزن تمخضت للمطر، والأرضُ تنفست الصعداء؟!

     وكما أن للديانات نواقضٌ من اقترف واحدًا منها بوعيه وقصده.. ارتدّ عنها، فلكل مجتمعٍ نواقض من تجاوزها أو أهملها ارتدّ عن ثنائهم، واستحقّ مقتهم، وصارت حياته بنظرهم مؤلمةً قاسيةً دون غاية ولا غرض، وربما فكّر أحدهم باستدعاء من يقرأ عليك، ولا أدري ما طبيعة الآيات التي سيتلوها!

     حتى الطبقية الاجتماعية، يجب أن يعاد تعريفها وتقسيمها، فهناك الطبقة الغنية ويقابلها الفقيرة، وبين الحلم بالأولى والخوف من الثانية تقبع الطبقة المتوسطة، لكن يوجد طبقيّة يجهل بها الناس، وهي طبقيّة (الشوفة)، ولها أقسام وشروط ولوازم ونتائج.. وربما كانت أخطر من الطبقية الاجتماعية، ومن المصطلحات المعبرة عن طبقاتها: (ما نشوفه في المجالس.. مبطي ما شفتك.. ما تنشاف.. هذا فلان شفه.. بس أشوفه)، أما تقسيماتها الثلاثة: فهناك طبقة (دايم نشوفه!)، وهي طبقة نخبوية لها مزايا اجتماعية تشريفية في المجالس، الهدف منها الزهو أمام الطبقة المقابلة، وأصحابها يتعبون ويسافرون لأجل (توقيع الحضور) في أعين الناس، كما أن حدود صلة الرحم عندهم تصل للجدّ الذي عاصر دخول التتار، فكل من له صلة بهذا الجد.. له صلةٌ رحم، وإن كنت لا ترى هذا الرحم في العشر سنوات إلا مرّة، ثم طبقة (ما عمر الناس شافوهم) وهؤلاء فئة مغلوبٌ على أمرهم في هذه الطبقية، ويُحرمون من نظرات الحنّية (والتي هي من مزايا الطبقة الأولى)، والجهة التنفيذية المسؤولة عن إيذاء أفرادها نفسيًا وكسر معنوياتهم أفرادها هم (الشيبان) وهؤلاء بمثابة أمن الدولة هنا، و(المتشيّبين!) من صغار السن، وهؤلاء.. بمثابة توفيق عكاشة في التجمعات.

     وبينهما طبقة (صاير تختفي)، وهي كالطبقة المتوسطة، واقعةٌ في المنتصف تتجاذبها صراعات الطبقتين، معتدلةٌ في تعريف (الرَّحم)، مستحضرةٌ لحدود الصلة فيها كما هي في الشرع، يشرخ صفاؤها طمّاعون يطالعون من هم أعلى منهم.

     كما أنه يوجد طبقية اجتماعية أخرى يجدر بنا التنبيه عليها، وهي: طبقة الذاهبين للصحراء بعد المطر، وطبقة القاعدين، والفوارق بينهما عجيبة، لِما تتميز به الطبقة الأولى من همّة في التسويق لنفسها في الفيديوهات والصور، تجعل أصحاب الطبقة الثانية يخطّون الأرض بأطراف أرجلهم خجلًا وحياء، باستعراض شجاعتهم وبذلهم للأوقات ومجازفتهم السنوية وتقديم الضحايا كلّ عامٍ بسبب السيول والمغامرات الخطيرة بعد المطر، غير التيه والضياع، والتجاهل التام لتنبيهات الدفاع المدني والأرصاد.

     لديهم قدرة عجيبة في خلق مشاعرٍ لديك حين قعودك عن الذهاب مماثلة لإحساسِ زبون مطعمٍ اختار وجبته فلما وضعوها بين يديه، انتبه إلى وجود وجبةٍ أخرى أحب إلى قلبه؛ فعلته حسرةٌ جعلته يزهد بما لديه من أنعام.

     إن كانت سن التكليف في الدين تبدأ في الخامسة عشر، فإنّ سنوات التكليف الاجتماعية تبدأ بأوّل زجرة يتلقاها الطفل في سنوات الأولى، أثناء وليمة من الولائم، وكما أن للبلوغ الجسدي إشارات وعلامات، فإنّ الغصّة التي تعلق في حلقك بعد تلك الزجرة، والهزّة التي رجّ منها جسدك.. من دلالات البلوغ الاجتماعي.

     وكما أنّ لمجتمعات العالم تجارب ونظريات مع الطبقية الاجتماعية المادية، فنحن –بالقياس والمقارنة- ربما نتواجد في وضعٍ مشابهٍ لحال العالم قبيل الثورة الفرنسية الدمويّة، وربنا يستر.. ربما نشهد يومًا رهيبًا نسمع فيه صراخ: اشنقوا رقبة آخر "مهايطي" بأمعاء آخر "ذبيحة"!!

ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

تزدان المدونة بتعليقاتكم وملاحظاتكم.

إعلان أسفل المقال