جاري تحميل ... مُدَونة كِتَاف

إعلان الرئيسية

إعلان في أعلي التدوينة


في بداية كل سنة، يحتفي روّاد مواقع التواصل الاجتماعي بقدوم العام الجديد، ويكثر الحديث عنها من الجادين والمنتجين في مجتمعاتهم، ثم يتسع هذا الاحتفاء ليصبح أشبه بالكرنفال السنوي، مما يجذب محبي الاحتفاليات والمتطفلين عليها، فتجد منهم عنايةً مذهلةً بأهمية الوقت، وحماسًا مفاجئًا، وتكثر الوسوم (الهاشتاق) من مثل: #خطتك_هذا_العام #أهدافك_هذه_السنة وغيرها.

ومن طرائف هذا الاحتفال السنوي، اختلاف ردود أفعال المحتفلين على قدر أعمارهم، فوجدت لا مبالاة من نماذج المراهقين، وحماسًا وتلذذًا ملاحظًا من أبناء العشرينيات والثلاثينيات.. وواقعية أو خمولًا ممن تجاوزوا الأربعين، مع وجود نماذج أخرى كثيرة من كل الأعمار تقريبًا تسخر من أنفسها ومن الاحتفاء بالوقت في كوميديا سوداء تصوّر قنوطهم من إدراك دوافع الأمر، أو إحباطهم أمام أهمية الحدث وضعف الإحساس به.

والحق أنني تمنيت أن يكون الاحتفاء بالعام المنصرم، وأن تكون عناوين الوسوم: #ماذا_أنجزت_في_العام_المنصرم #إنجازات_1436 #إنجازات_2015 ونحوها؛ لأنها هي المقياس لمصداقية دوافع هذه الاحتفاليات، وهي الغطاء النقدي لهذه الشيكات.

تَتَابع روّاد الكرنفال في استعراض أهدافهم في السنة المقبلة، وكلها أهداف رائعة للغاية، ونبيلة، تصوّر لك أناقة يومهم وحسن تنظيمهم لرفوف مكتباتهم، وتواصلهم مع دفاتر المهام.. ونحو ذلك، ولكنك تتساءل هنا: لماذا نبدو جميعًا وكأننا اكتشفنا أهمية هذه الأهداف بشكل جماعي.. فجأة؟! كمسألة حفظ الوقت، وقراءة الكتب، والرياضة.. ونحوها.

هل نهاية العام عيدٌ للأهداف والدوافع، تتهندم له وتظهر فيه أمامنا بأبهى صورة وأملحها، فننجذب إليها، ليتضح لنا أن الغايات المهمة.. هي مهمة فعلًا؟! أم أنّه تأثّر بالجوّ العام الذي يبدؤه الجادون بذكاء وتشويق، ويكمله مسوقو تنمية الذاتية ودوراته بدعائياتهم المعتادة، ثم يتسع التأثير ليتحول إلى برستيج وشنشنة نعرفها في مواقع التواصل؛ لإبهار المتابعين بمثالية لا نعيشها، والبعض يعظم الأمر إن احتفي به، ويتجاهله إن تفرّقت عنه الجموع، وتحولت عنه الأضواء، فمقصده الاحتفاء، وغايته الاحتفال.

في القاموس، يعرّف الوقت بأنه: الفترة التي تُستغرق في أداء تصرُّفٍ أو عملية ما.

هذا التعريف يغني عن كثير من مواضيع استغلال الوقت، ودورات إدارته، والتي يعْمُد أقوامٌ إلى تعقيدها كي تنشغل بحلّ عقدهم فينشغلون بمد أيديهم إلى جيبك ليقبضوا ثمن المعلوم من الحياة بالضرورة، وهو ثمن غفلتك كذلك.

يعيب الكثير من المتحمسين أنهم لم يخلصوا إلى تحديد أهداف جليّة تعكس طموحاتهم وما تسمح بهم ظروفهم، ومشكلة من حدّدوا أهدافهم أنهم لم يوفّروا وسائل إنجازها، ومشكلة الغالبية من هؤلاء.. أنهم لم يبدؤوا بعد، وربما استغرق طائفة منهم في إعداد الوسائل وتنظيرها شبابه كلّه، ولمّا يبدأ في تحقيق هدف واحد.

حين استنصح أحد الرجال النبي صلى الله عليه وسلم، قال له عليه الصلاة والسلام: «لا تغضب»، وليس بعد هذا النهي إلا الانتهاء، دون فلسفةٍ، أو تخلّق بطباع المدلّلين، أو إدمان الاستشارات والتكثّر من الاستنصاح، ودون قراءات كثيرة في (الكيفيات) التي يدمن البعض مطالعتها: كيف تدير الوقت؟ كيف تحفظ وقتك؟ كيف تحقق أهدافك؟ فيظلّ أسيرًا لأداة الاستفهام (كيف) دون إفادةٍ من إجاباتها.

إن كنتَ ممن احتفى بالعام الجديد، فحين تراجع ما مضى من الأيام الثمانية عشر، لابدّ واجدٌ من نفسك -بعد محاسبةٍ وتدقيقٍ- إحساسًا بأثقال الخيبة لارتدائك ثوب الزور، والسعي لأن يحمدك الناس بما لم تفعل. أو على الضد من ذلك: الفخر باستيفاء الأيام حقّها الذي نمقته زمن الاحتفاء، ها هنا امتحان، وأنت يا عزيزي المختبِر والمجيب وأنت المصحح والمدقق والراصد، أما سؤال الاختبار فواحد لا ثاني له: هل بدأت؟
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

تزدان المدونة بتعليقاتكم وملاحظاتكم.

إعلان أسفل المقال