جاري تحميل ... مُدَونة كِتَاف

إعلان الرئيسية

إعلان في أعلي التدوينة


    قرأت قبل عدّة أيامٍ مقالًا مترجمًا عن صحيفة (التايم) بعنوان (13 خطأ يرتكبها أشخاص في العشرينيات من عمرهم)، والعنوان معبّر بشكل واضح عن طبيعة الموضوع، ويحوي نقاطًا مهمّةً من جهة، لكنّه كذلك يحوي نقاطًا لا تهم الشاب العربي والمسلم، ولا الشابة العربية المسلمة؛ لأنها مرتبطة ببيئة كاتب المقال والمجتمع الذي نُشرت فيه، كما أن أكثرها يتعلق بالعمل والمال لطبيعة الصفحة المنشورة فيها، لذلك اجتهدت من تلقاء نفسي، اعتمادًا على الله تعالى ثم على تجربتي الشخصية، وتجربة غيري من الأصدقاء في ذكر ستة أخطاء يقع فيها بعض أبناء هذه المرحلة، وثمن الوقوع فيها كارثي في حياة الشخص.

    وعلى أي شاب أو شابة أقبلا على سن العشرين، أو على وشك، أن يدركا جيدًا أهمية (خلاصات التجارب) التي يذكرها من تجاوز هذه المرحلة التي بدأتما فيها، أو أنتما مقبلان عليها، فهم يختصرون عليكما 10 سنوات، هي زهرة العمر، والتي لن تبلغا درجة الإدراك التام والكامل لأهميتها (مهما حاولتما وبذلتما الوسع في ذلك) إلا بعد أن تتجاوزاها، وتطويا صفحتها، فلا يدرك تمامًا هذه النعمة إلا من فقدها، وأقول (فقدها) لأن هذه المرحلة نعمةٌ مؤقتة، وجوهرة مستعارة، لا بد أن تغادرك يومًا، وتستردّ منك.

    لكن بعض الإدراك منكما، وشيء من الوعي كافيان في العمل لتجنب هذه الأخطاء.

    كما يجب أن أنبّه على ألا يُربط بين كاتب المقال وما كتبته هنا، فمثالية المكتوب لا يشترط أن تتوافق مع تجارب الكاتب الشخصية، فربما ينبّه على المثاليّة من قصرت همته عنها، وإنما هو النصح والتجربة وإشفاق الأخ.

    الخطأ الأول: إهمال فرائض التكليف.


    يدخل البعض هذه المرحلة ويخرج منها، وهو لم يتوافق بعدُ مع مهمّات التكليف الربانية، وأعني المفروض منها على الأقل، فبعضهم خرج من هذه المرحلة ولم يزل.. لا يصلي، وبعضهم يصلي، لكن لا يزال يغلبه النوم عن الفجر والعصر، وبعضهم صار يومه المعتاد أن ينام بعد الظهر ثم يمدّها إلى ما بعد صلاة العشاء، متجاوزًا ثلاث صلوات كل يوم، وبعضهم يصلي لكن لم يطوّر الجانب الروحاني منه بتجربة صيام الاثنين والخميس، أو الست من شوال، أو عاشوراء، وبعضهم لم يجرب أن يحفظ أذكار السجود وأدعية الاستفتاح الأخرى، وما يقال قبل السلام وبعد التشهد الأخير، وبعضهم ربما مرت عليه هذه المرحلة وانتهت وخرج منها بشهادة (هاجرٍ لكتاب الله)، فلم ير الله منه (مجاهدةً) في مثل هذه الجوانب وجوانب غيرها كغض البصر وحفظ السماع -فينجح حينًا.. ويفشل حينًا- مما ينبغي أن يكون هذا أقلّ حاله، فالمعلم إن رأى طالبه مجتهدًا وحتى لو لم يوفّق.. أعانه وساعده وقدّره، ولله تعالى المثل الأعلى.

    كما أن البعض يدخل هذه المرحلة، وهو لا يدرك الخطورة الشديدة للمعاصي والذنوب ولا يستوعب مطلقًا أثرها الواضح والمباشر والملموس على حياة الإنسان في الدنيا، وشؤمها على نفسه وروحه وجسده وعلاقاته وأهدافه، فهو يظنّ أنها معانٍ يؤمن بانعكاسها كسيئات في كتابٍ يؤثر على آخرته، لكنه لا يدرك مطلقًا أن لها آثارًا خطيرة على سنوات حياته، آثار محسوسة واضحة أكثر من أثر الحبر على الثوب الأبيض، لكنه الإحساس بذلك يحتاج إلى (الوعي) بها وبآثارها، ولن يعي ذلك (جاهل) مطلقًا، بل يعيها شخصٌ قرأ عن آثارها فعَلِمَها واستحضرها، فهي تفسير لكثير من الظواهر المدمرة في حياة الشخص الذي ربما أنهكه الاستغراب من حصولها معه والبحث عن أسبابها.

    ومن المهم أن يدرك الشاب أن مشاكل الذنوب والمعاصي، وآثارها على قلبك، ونفسك.. تتفاقم بالإهمال، وتنمو كما تكبر كرة الثلج في سقوطها، وأن هناك عقوبات خطيرة في الدنيا كأن يختم الله على قلب الشخص، أو يحرمه لذة العبادة وربما (يستوحش) العبادة ومجتمعات الصالحين، وربما يصل لمرحلة خطيرة من تسلل النفاق لقلبه وظهور آثار ذلك في لسانه وتصرفاته وآرائه.. وغير ذلك من الآثار النفسية والمعنوية كالاكتئاب والخمول والتثبيط عن أي انطلاقة إيجابية.. إلخ.

    لذا عليه أن يعرف شرارات المشكلة منذ بداياتها، قبل أن يتفاقم أمرها، ويصعب الانفكاك منها مهما أوهم الإنسان نفسه بقرار التوبة، وكما قلت.. العلم بها أولًا، فالمريض أوّل ما ينبأ باسم مرضه يقرأ عنه أي مادةٍ كتبت فيه.

    ابن القيم رحمه الله جمع آثار الذنوب والمعاصي، بأدلتها في كتابه الجواب الكافي، ولهذا الكتاب ملخصات كثيرة منتشرة في المواقع ويسهل الوصول إليها عبر محركات البحث.

    الخطأ الثاني: الغفلة عن طبعك وأخلاقك.


    فالبعض.. يمرّ عليه هذا العقد المهم من عمره، ولم يكلّف نفسه مرّةً أن يتدبر طباعه في الأكل والنظافة واللباس والمشي.. وغيرها، أو لم يتأمل أطراف أخلاقه في ألفاظه وأسلوب سلامه وحاله في المجالس وطريقة حديثه ومدته وحواره.. وغير ذلك، فلا تستغرب أن تجد شخصًا في الثلاثين لا يعرف استعمال مزيل العرق، أو تجده يستحمّ مرّة في الأسبوع فقط، أو كثير المقاطعة للغير، أو كثير الكلام، أو يرفع صوته ويزعج من حوله، أو لا زال يؤذي الناس في طريقة إيقافه للسيارة.. وغير ذلك مما لا يعد ولا يحصى من طبائع الخلق وأخلاقياتهم.

    والبعض لم يكلف نفسه بقراءة كتابٍ في الأخلاق والتعامل.. ثم يقارن حاله بها، ويطبّع نفسه على أحسنها، ويتداركها بالاهتمام والعناية حتى يعدّل من سلوكياته.

     كذلك يتطبع البعض بصفة الفوضى مع وقتهم، مرحلة كالذهب تتناثر ساعاتها أمامهم هباء منثورا، دون أن يمرّن واحدهم نفسه على تنظيم وقته، وكتابة مهامه في دفاتر التقويم، أو استخدام المواقع المميزة في ذلك.. كي يتابع وقته -مرسومًا أمامه- ببصره، ويقيده بكتابة يده.. فيعرف أين يصرفه، ويأخذه بجدّية.

    الخطأ الثالث: إهمال الصحّة:

    ما تصنعه بجسدك في سنّ العشرينيات هو دينٌ عليه، تسدده بداية من الثلاثينيات وما بعدها، ولعلك لا تدرك أن ابن الثلاثين وما بعدها يلاحظ على جسده أمورًا صحيّة لا يشك طرفة عين أنها مرتبطة بأساليب صحّية خاطئة في أكله وشربه وحركته وطريقة جلوسه كان يصنعها في العشرينيات، وبدأ الجسد ينتقم منه عليها.

    الأمر مهم جدًا، وذكرت لك أن هذه الأمور لا تستطيع مهما فعلت أن تدركها بالتمام، إلا بعد تجاوز هذه المرحلة المهمّة، أو يرزقك الله بمجرّب ينبهك عليها، فانتبه واحذر.

    الخطأ الرابع: محاولة إرضاء الجميع:
   
    في السياسة يقولون: لا ترمي كلّ أوراقك على الطاولة، ففي اللقاءات القادمة، ربما يصدمك خصمك بإلقاء أوراق جديدة لم تعلم بها، فتصبح أمامه مرتبكًا خالي الوفاض من أي شيء.

    العاطفة.. من أهم صفات هذه المرحلة، التي إذا لم يُجِدْ الشابُ ترتيبَ أوراقهِ فيها، سيعاني، ثم تؤثر هذه المعاناة على أولوياتٍ في غاية الأهمية في هذه المرحلة، فتجده يقابل شخصًا كصديق أو كأستاذ أو كناصح، أو ينتمي لمجموعة معينة، فيرمي بين يدي هذه الشخص أو هذه المجموعة كل أوراقه، من محبة وبذلٍ للوقت وربما المال والتواصل والصحّة، ثم يفاجأ أنّ المقابل يخبئ أوراقًا فيها معاني الخيانة والمصلحة وانعدام الوفاء فيما بعد، أو ربما تهبّ رياح الدنيا على أوراقه فيغادر حياتك دون سابق إنذار لظروف المعيشة أو نحوها.

    يقول بعض الحكماء: يقل قدرك عند الغير، بقدر ما ترفعهم فوق قدرهم، مهما كان هذا الغير صالحًا!

    تختلف مع هذا الحكيم أو تتفق، إلا أن أقل الأمر فيما قال هو (الغالب).

    فمن المهم تكثير الأصدقاء والمجموعات في حياتك، لصناعة البدائل، وتقليل أثر ظروف التغيير، ومن المهم كذلك إدراك أن كثير من الصداقات لا تدوم مطلقًا بغض النظر عن الأسباب، كما أنه من المهم للغاية أن تكون الصداقات ضمن مفكّرات مواعيدك اليومية، ومرتبة ضمن أولوياتها، لا متعالية عليها، مبعثرةً لجدولتها.

    مع العلم أن عنوان الفقرة مأخوذٌ من ذلك المقال المترجم.

    الخطأ الخامس: غموض التخصص والاهتمام.


    يغادر كثير من الشباب هذه المرحلة للأسف، وهو لم يجب على سؤال: ما هي هوايتك؟ اهتمامك؟ تخصصك؟..... بجانب وظيفتك.

    لأني لاحظت أن بعض الموظفين (ربما في وظائف إدارية حكومية خدمية بحتة)، قد تسلطت وظيفته على حياته، وحديثه، وامتدت من نهاره إلى ليله، ومن مكتبه إلى غرفة طعامه، وجلسة أصحابه؛ لأنه افتقد الهواية أو التخصص الذي يستحق الحديث عنه، فيغطي هذا النقص بإنجازٍ محدود، مهما ضخّمهُ فإنه في نهاية الأمر جانبُ رزقٍ بحت، خالي من جوانب الإبداع، أو نادر، ولابد أن يغلب عليه الروتين، ومستويات الإنجاز فيها قياسًا بعمر الإنسان.. محدودة للغاية، وربما معدومة.

    فلا جاهد نفسه ليصل إلى مرحلة حب القراءة في تخصص ما، ولا تعلّم هواية معيّنة، وحرم نفسه (مع تنعّمه بهذه المرحلة) من تجربة هواية ما، أو تخصص ما، لا حدود للإنجاز فيها.. فيبذل لها، ويستمتع بها، ثم ينتج فيها.

    معرفة التخصص يفترض أنها في مرحلة مبكرة، لأن عقد العشرينيات من عمرك، هي سنوات البذل لهذا التخصص، والتفرغ له.

    الخطأ السادس: عدم استيعاب نتائج المرحلة.


    ففي جانب الوظيفة (مثلًا)، يدخل البعض تخصصاتٍ معينة، أو وظائفٍ ما، وهو يفكّر فقط بالراتب، فيسلك أسرع الطرق إليه، دون الانتباه لمتطلباتها وانعكاساتها ومستقبلهم معها.

    والنتيجة.. حالة مؤسفة جدًا وجدتها في كثيرٍ من الشباب، فمنهم من أعماه الراتب وسرعة التوظيف، لكنه لم يدرك أن طبيعة الوظيفة تتطلب منه البعد الدائم عن أهله كمثال إلا أيامًا معدودة في السنة، وهو لا يصبر عنهم أبدًا، أو هم بحاجةٍ شديدة إليه، مع وجود وظائف لو سعى لها بالدراسة والاجتهاد يسّرت عليه الانتقال لهم.

    والبعض لا يدرك قساوة وظيفته، وأنه يمكن أن يصبر عليها في شبابه، لكن بعد الثلاثين والأربعين سيجد نفسه مرهقًا للغاية منها، وأن هذه الوظيفة تتطلب جَلَد الشباب وشدّته، ولا وجود لخط رجعة له، ولا يستطيع تركها وهو في سنّ المسؤولية.

    ما ذكرته هنا.. مثال بسيط، وإلا فالعنوان الذي ذكرته، وهو (عدم استيعاب نتائج المرحلة) يسع الوظيفة، ويسع مشكلة العبث والإسراف بالمال في سن الشباب بالكماليات والسفريات مع شدة الحاجة إليه مستقبلًا، وتخدّر بعض الشباب مثلًا بمسمى (بعثة وابتعاث) فيهمّه أن يغادر كمبتعث بأيّ ثمن، ولم يفكّر ويخطط ويستوعب لمرحلة ما بعد البعثة، من الحاجة الوظيفية لتخصصه، وجغرافية أماكن العمل بعد التخرج، ومقدار الراتب، وظروف أهله، والنتائج المحتملة للفشل، أو عدم صبره على الغربة وتأثير ذلك عليه.

    فضلًا عن التخبّط في اختيار تخصص الدراسة، والانتقال من جامعة لجامعة، ومن شهادة لدبلوم، ومن تخصص لآخر.. فيضيع الإنسان السنوات الذهبية من هذه المرحلة ولمّا يستقر على ساعات دراسية ثابتة في تخصص ثابت.

    أخيرًا.. اقرؤوا معاشر الشباب سير الناجحين، وتراجم الموفَّقين.. فالتجربة التي عركت صاحبها، وصرف لها أغلى مرحلة في عمره، لا تقدر بثمن.. أبدًا.

    ثم بعد أن تمرّ التجربة أمام عينيك، تأملْهَا، وتفكر فيها، وأعدها في ذهنك، حتى تدرك أهميتها، وما بعد الإدراك من العمل والتطبيق والمجاهدة عائدٌ إليك.

    وإن كان هناك تجربة يابن الثلاثين (زميلي يعني) وما بعدها أو نصيحة تريد مشاركتها مع أصحاب هذه المرحلة، أرجو التكرم بوضعها في التعليقات.
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

تزدان المدونة بتعليقاتكم وملاحظاتكم.

إعلان أسفل المقال