جاري تحميل ... مُدَونة كِتَاف

إعلان الرئيسية

إعلان في أعلي التدوينة


حين أجلس مع بعض المعلمين أو العاملين من أخواننا المصريين والسودانيين وغيرهم ممن قضوا في التعليم والعمل في السعودية وغير السعودية سنوات وسنوات، فإنني أحب أن أرمي كلمة أو كلمتين تستفزان جليسي بلطف وأدب لتنتزع منهم أجمل القصص وألطف المواقف التي مرت عليهم، ولتعجب بعدها من المواقف الطريفة والغريبة والمضحكة والمعبّرة التي يذكرونها، مما يجعلني أتحسّر على آلاف العاملين الذين دخلوا الخليج وخرجوا منه دون تقييد ذكرياتهم ولو في مدونات عبر الانترنت، وهنا مثالان من القصص الجميلة والمعبرة والمتعلقة بالتعليم.

حدث في السودان

يروي لي الأستاذ الفاضل محمد هذه القصة التي حصلت له (ولست متأكدًا الآن هل حصلت معه أم أنه ذكرها عن غيره) فيقول: مررت في إحدى الأيام بجوار أحد فصول الثاني ثانوي التي عرف عن طلابها كثرة المشاغبة ورفع الصوت، لكني انتبهت إلى سكون صفهم وركوده، فدخلت ووجدت الصف كله مجتمعًا في الخلف قد تحلق طلابه وقوفًا على رأس زميل لهم يحمل جوالًا ويريهم مقطعًا ما.

يقول: فتغافلتهم حتى تفرقوا سريعًا وحاول الطالب أن يخفي الجوال بين الكتب لكني أخذته فوجدت ما يشيب له الرأس من المقاطع الإباحية، فذهبت مباشرة إلى المدير، وتناقشنا حول موضوع الطالب فقال المدير لي: إذا نحن فصلنا الطالب.. فإننا نخرج مشروع مجرم للمجتمع؛ لأن ترك المدرسة يعني بالضرورة الانتهاء إلى البطالة، والبطالة أحد أهم أسباب الإجرام، وإن نحن نقلناه لم نحلّ المشكلة، بل نقلناها إلى محضن تربوي آخر.. لكن استدع ولي أمر الطالب، واحتفظ بالجوال.. ولكل حادث حديث.

حينها طلبنا من الطالب أن يستدع ولي أمره، لكن ظهر لنا أنه مسافر، فجلدنا الطالب أمام زملائه جلدًا مبرحًا، ثم جاء قرار عقوبته بنقله من منزله إلى سكن الطلاب لمدة أسبوعين (وقد كان يوجد في المدرسة سكن لطلاب الأرياف البعيدة فقط، لصعوبة ذهابهم كل يوم من الأرياف إلى المدرسة، وكانت كل غرفة تسع ستة أشخاص)، مع إسكانه بغرفة خاصة به، والأمر بمقاطعته نهائيًا من جميع الطلاب (وقد نفذوا هذا الأمر حرفيًا، اللهم إلا ما كان من السلام)، وإلزامه بجدول يومي يرتبط بالقرآن والمسجد، فعاش في نظام صارم لمدة أسبوعين.

وحين وصل والده من السفر تمّ استدعاءه إلى المدرسة.. فما ظنكم؟! هل تراه مثل بعض الآباء الجهلة الذين تكرم المدرسة أبناءهم وتساعدهم وتتساهل معهم على جهل بعضهم وسوء أخلاقه وتكرار أخطائه، فإذا تباكى الولد عند أبيه أتى ولسانه يلوط أذانه كما يقولون فيعمي عينه عن فظائع ولده، لينتهي به الدلع –كالعادة- إلى المعاناة منه.

بالتأكيد لا؛ بل قال الأب بالحرف حين رأى ما يحوي الجوال وحين علم أن ولده لم يكتف بالمشاهدة؛ بل دعى زملاءه إليها، وحين علم بالعقوبة: والله إن رأيته فتكت به، فلا تروني وجهه.. وقد أحسنتم عقابه. ثم طلب الجوال ووضعه على طاولة المدير وقام بتهشيمه بكل قوته وبشكل مبالغ من الألم والقهر (قارنوا ذلك ببعض القلوب الباردة أمام تصرفات أبناءها)، إلى درجة كسره لأجزاء من طاولة المدير، ومن الغد قام بتعويضه بطاولة جديد.

وبعد أسبوعين انهار الطالب معتذرًا ومتأسفًا ومستحضرًا لخطئه، فسمحوا له بالعودة إلى البيت لكن الوالد أمره أن يبقى في ذلك السكن إلى آخر السنة، ثم يحكم عليه بناءً على درجاته وسمعته بين الموجودين واجتهاده، وقبل ذلك أمره والده أن يخبره بمصدر تلك المقاطع (وانظروا إلى هذا الهم المتعدّي إلى الغير، وليس صلاح ولدي.. والباقي بستين داهية)، فأخبره بأن مصدرها إحدى محلات الكومبيوتر، فاشتكى أهل الولد وأخواله إلى النيابة، ورفعت الأوراق إلى أحد المسؤولين (وموقفه جميل جدًا ويريك حسن استحضار الامانة) فلم يأمر هذا المسؤول بتفتيش ذلك المحل فقط؛ بل أمر بتفتيش كل محلات الكومبيوتر في البلدة فوجدوا 152 كومبيوتر في تلك المحلات تحوي ما يسوء ويحزن ويفسد، فتنوعت عقوباتهم ما بين الجلد والسجن، هذا غير غضب الأهالي وانتشار الأهل.

وأنا هنا لا أدري مما أعجب، من انتباه المعلم، أو حكمة المدير، أو همّ الوالد التربوي، أو التزام شباب السكن، أو حتى استحضار الوالد لخطر (المصدر) فلم يقل: الجوال وصادرناه؛ بل بحث عن بذرة الفساد. أو أعجب من تصرف المسؤول الذي لم ير أن المشكلة تتعلق بمحلٍّ واحد أغرى صبيًا في قضية عابرة؛ بل استحضرها كمشكلة قد تكون عامة فتثبّت منها.. وتم تطهير البلدة من شر عبّاد المال على حساب الدين والأخلاق.

القاضي، والمعلم، والأب

يحكي الأستاذ كمال قصة حصلت منذ ثلاثين سنة مع والده حين كان معلمًا في المنطقة الجنوبية بالسعودية.

يقول والده: كان الجلد في تلك الأيام مسموحًا، ولم أكن لله الحمد ممن يفتك بالطلاب ويستعرض بالضرب بين الحين والآخر، وإنما العقوبة على قدر الخطأ.

وفي صباح يوم دراسي قمت بمعاقبة أربعة طلاب بالجلد لإهمالهم لما طلب منهم من الواجب والحفظ، وكان أحدهم مشاغبًا ومهملًا للغاية، وفوق ذلك كان معاندًا.. كما يقول المثل: "شين وقوي عين". وهذه النوعية موجودة في قلة من الطلاب مع الأسف، فتجده مهملًا وكسولًا للغاية، ثم تساعده قدر استطاعتك، فإن لم تساعده بالقدر الذي يطمع به حمّر عينه عليك "وشره" وربما "زعل" وأنت أساسًا لو أعطيته حقه لتدبّس مع كرسي الدراسة وصار جزءًا من ديكور المدرسة.. نسأل الله الهداية لنا ولشبابنا.

المهم.. ذهب هذا الطالب عند جدّه فتباكى وتذلل له (وكان الجدّ لئيمًا مع الأسف!) فذهب إلى الطبيب، وقام برشوته ليكتب تقريرًا يحوي ما يسمح للجد أن يشكي على المعلم فشكاه عند المحكمة.

وأمام القاضي.. حكى الجد ما حصل بتهويل واستعراض هوليودي جعل المعلم وحشًا كاسرًا، والابن حملًا وديعًا، ثم حكى المعلم حقيقة ما حصل وأن التقرير يخالف أساسًا ما يظهر لك من الطالب، فهو سليمٌ وبكامل عافيته.

فأجاب القاضي قائلًا للمعلم: أما أنت فقد أحسنت وأجدت، وأشد على يدك بتربية هؤلاء، ومعاقبة المهملين، أسأل الله أن يعينكم. ثم التفت إلى الجد وقال: وأما أنت فإن وصلتني مثل هذه الشكوى وهذا التلاعب مرّة أخرى فسأقوم بسجنك لمدة شهر، فحفيدك بكامل عافيته وهذا يكذب التقرير، انتبه لتقصير الولد بدلًا من هذا الفعل المشين !!

أحسن القاضي والله.

أخيرًا: أعجبتني مقولة للأستاذ محمد صاحب القصة الأولى حين قال: الأديان السماوية كلها نزلت بمبدأ الثواب والعقاب، فأين ذلك من قرار (تدليل الطلاب)؟!!
6 تعليقات
إرسال تعليق

تزدان المدونة بتعليقاتكم وملاحظاتكم.

  1. صدقـ♥ـتك ..
    فمن الخسارة فقدان..
    هذه المواقف والذكـ♥ـريات الجمـ♥ـيله...

    وجزاك الله صالح اعمالك

    ردحذف
  2. وإياك أخي محمد، شكر الله لك طيب مرورك.

    ردحذف
  3. راكان مواضيعك ممتعة جدا ، إلى مزيد من النجاح :)

    ردحذف
  4. حقيقى المدونه متميزه جدا جدا وموضوعاتها مهمه للغايه
    لكم منى كل تقدير واحترام
    مشكوووووووووووووووووووووور

    ردحذف
  5. العفو أخي ريان.. وبارك الله فيك.

    ردحذف
  6. مالي علاقة كبيرة بالمدونات عموما، طحت على مدونتك بالصدفة وهي بغاية الروعة! شجعتني على البحث عن مدونات اخرى لمتابعتها .. اقترح عليك وضع مدونات صديقة واحتسب الاجر في ذلك :)

    ردحذف

إعلان أسفل المقال