جاري تحميل ... مُدَونة كِتَاف

إعلان الرئيسية

إعلان في أعلي التدوينة


    تمسك الكتاب، وتقرأ المسألة، ثم تختطف قولًا دقيقًا ورائعًا لصحابي أو لتابعي أو لتابعي التابعين وتضعه لتفيد الناس وتشركهم في ما لفت نظرك بالقول من بلاغة وإبداع وذكاء ونحو ذلك، ليأتي أحدهم يمشي بسرعة 220 سنة ضوئية، مخترقًا الأزمنة ومتجاوزًا القرون، ويركل برجله هذه المقولة كما لم يركلها أبدع اللاعبين في العالم عبر مقولة طريفة ومضحكة: (العلماء غير معصومين!)، (لا أحد معصوم إلا الأنبياء!).. ونحوها.

    قال لي ضميري: طيب يا رجل ما فيها شيء؟! هناك أقوال تقرر هذا الأمر للشافعي ومالك بن أنس وأحمد بن حنبل وغيرهم من العلماء، وهو قول صحيح وواضح وهو ما يميّز أمة الإسلام.. أهل السنة والجماعة، بينما تغرق الطوائف الضالة في تقديس سادتها ودعاة النار من أهلها.

    قلتُ: أدري.. أدري يا ضميري، لكن أحد أهمّ شعاراتنا كمسلمين هي (لست بالخب ولا الخب يخدعني!)، كل الجمل التي وردت عن علماء السلف حول هذه الفكرة إنما وردت في سياق تربوي عام، يقرّر الفكرة.. لا يستغلها لأهداف دنيئة ودوافع أنانية، فالإمام مالك –رحمه الله- حين يقول: كل يؤخذ من قوله ويرد إلا صاحب هذا القبر (ويعني رسول الله صلى الله عليه وسلم) فقد قالها بلا شك ليقرر أن أقواله هو قابلة للخطأ، ومن جهة إنما يذكرها في سياق تربوي، ولم تكن المسألة أنه ورد إلى سمعه مقولة لعالم يخالفه فتمعر وجهه وقالها تجريحًا بذلك العالم أو استسذاجًا لمن أمامه.. بالتأكيد لا.

    وفي هذا المقال أهتم بعرض الاستخدامات الضالة والخاطئة لهذه الجملة، من بعض المتعالمين.. ومن بعض الأعداء كذلك، لأنها صارت منفذًا لتقرير أهداف سيئة في حق دين الله تعالى.

    1. الحُكم الشرعي أوسع من فكرة المقولة.

    ظهر الشيخ محمد العريفي في محاضرة يتحدّث عن خطر الزنا، وبعد المحاضرة جلستَ مع متعالم أو رويبضة وناقشك حول حرمة الزنا، ثم قال لك: لا يغرك كلام العريفي، ياخي مو معصوم الرجل، كل يؤخذ من قوله ويرد.

    ما رأيك؟!

    سيكون موقفًا طريفًا أكثر من كونه نقاشا مثمرًا، لأن حكم الزنا ثابت في القرآن والسنة، وكون العريفي قالها لا يعني أن القول خطأ لمجرد أن قائلها بشر.. هذا من التحايل على الله –عز وجل-، وهو إلى العناد والسخف أقرب وألصق.

    وهذا الأمر من فتن هذا العصر، فإذا أرادت امرأة أن تنزع الحجاب، جعلته قولًا لعالم تكرره.. وأقنعت نفسها أن الحجاب إنما هو من بنيات أفكاره، ثم نزعته.. تلعب على نفسها باختصار.

    2. من استخدامات هذه الجملة (التخطئة).

    البعض عندما يُعرض الخلاف أمامه ولا يعجبه أحد القولين يقول (في الظاهر): كل يؤخذ من قوله ويرد، وصاحب هذا القول مو معصوم. لكن لو حللنا هذه الجملة وعرفنا دافعها لصرخ فيك: تبي الصراحة.. أنا أكره هذا القول، أنا أخالفه أبد الدهر، أنا غير مقتنع به، أحس بمغص إذا قرأت هذا القول أو قرأت لصاحبه. وأنا أستخدم عبارة القول بعدم العصمة تقليلًا من شأن المقولة واحتقارًا لها.

    وفي الحقيقة أن هذه العبارة تنطبق أولًا على من يقولها، فهو أساسًا غير معصوم لذلك إسقاطه لهذه العبارة على أي مقولة قابل للخطأ أو الصواب.. إلخ إلخ، ولعل كلامي هذا يذكرني بموقف طريف للشيخ سلمان العودة في مجلسه أيام ما كان سوق (فقه الواقع) ماشي كمصطلح وفكرة، حيث أساء البعض أمامه لأهل العلم بحجة أنهم لا يفقهون الواقع، فقال الشيخ مربيًا لهم بابتسامة مستغرب: وهل أنتم في اتهاماتكم هذه تفقهون شيئًا من الواقع؟! لذا نقول لمرددي هذه الجملة: وهل تظنون أنكم بمجرد قولها.. صار القول الذي تتبعونه صوابًا بالضرورة؟!

    ناقشوا.. وقولوا بشجاعة: نختلف للأسباب التالية، وابدؤوا تطبيق هذه الجملة على أنفسكم وأقوالكم أو أقوال من تحبون، بدلًا من تضييع الوقت بهذا اللف والدوران.

    3. من استخدامات هذه الجملة (التجريح).

    مثلًا: يأتي رافضي ويقول لك: الصحابة مو معصومين، كل يؤخذ من قوله ويرد إلا الأنبياء.

    طبعًا خذ راحتك بالضحك بداية، ثم قل له: علينا يا مناحي؟! روح العب بعيد. لأن حقيقة هؤلاء هي: الصحابة مو معصومين؛ لأنهم عند طائفتنا كفّار، وبعدين نسينا نقول: إلا الأنبياء والأئمة والأسياد والمعممين.. إلخ.

    فهذه الجملة.. حق أريد به باطل هنا.

    4. الجاهل إذ يستخدمها.

    ورحم الله امرءًا عرف قدر نفسه، يأتيك شخص ويقول عن عالم: كل يؤخذ من قول ويرد. والرد المناسب ليس نقاشه؛ بل أن تزجره قائلًا: يا بابا روح افتح المصحف اللي له أشهر وربما سنوات ما فتحت منه صفحة واحدة، فضلًا على أن آخر كتاب معرفي فتحته كان الكتب الدراسية وأيام الاختبارات فقط.

    5. من استخدامات هذه الجملة (التقليل من الشأن).

    فعندما يعرض لديه قول الصحابي أو التابعي أو تابعيهم فهو يقولها كما يقولها عن أي عالم من علماء هذا العصر، وهذا خطأ وغير لائق، فمنزلة الصحابة وأصحاب القرون المفضلة علميًا أوسع وأعظم من منزلة من بعدهم، لأسباب شرعية ومنطقية، فهم أقرب الناس للسنة لأنهم أقربها لصاحبها عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، كما أن الأفضلية ثابتة لهم في القرآن والسنة، أقوالهم وآراءهم أعظم بركة ولها قيمتها الروحية والعلمية.

    مو معصومين.. صحيح، لكن عدم العصمة لا ينزع التفاضل في العلم، ولا يعني احتقار أقوالهم والتقليل من شأنها، فإن ترداد هذه الجمل كلما أبصرت نتاجهم العلمي والمعرفي يقلل من شأنها في نفسك، ويحرمك خيرها.

    6. من استخدامات هذه الجملة (الاستسذاج).

    فحين تذكر قول عالم من العلماء في مسألة أو فكرة ما، فإنك ستجد من يأتي بذات السرعة التي ذكرتها أول المقال ليقول لك: تراه مو معصوم.

    طبعًا أول ما يطرأ على بالي هو أن أقول له: "بشّر أمّك". لكن عاد قويّة هذه، فلذلك أضطر أن أخبره بأنني –ياربي لك الحمد- أعلم بأنه غير معصوم كما أنني أعلم بأن "الليل ليل والنهار نهار.. والأرض فيها الماء والأشجار".

    ولا تفسير لهذا الأمر إلا أنها محاولة لاستسذاج ناقل المقولة كرهًا بالمقولة أو بصاحبها أو بناقلها.

    أخيرًا: أنا مو معصوم في مقالي هذا، واللي يرد علي مو معصوم، واللي يرد على اللي يرد علي مو معصوم، وإذا جيت أنا ورديت على الردود فردي على ردودكم غير معصوم، والذي يؤيدني هنا.. غير معصوم، والذي لا يؤيدني غير معصوم، وهذه الفقرة غير معصومة كذلك.. إلى مستشفى المجانين حالًا. << مثال على الاستخدام المبتذل لهذه الجملة.
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

تزدان المدونة بتعليقاتكم وملاحظاتكم.

إعلان أسفل المقال