جاري تحميل ... مُدَونة كِتَاف

إعلان الرئيسية

إعلان في أعلي التدوينة


    موضوع مقال اليوم غريب قليلًا، لكني أرى أهميته تبرز بين الحين والآخر كقضية حقوقية يُعاد تكرارها عالميًا، وتُركز فيها الأضواء علينا هنا في السعودية بالذات، وبعض الدول هنا وهناك عمومًا، ولها ارتباط وثيق بمسائل شرعية وفكرية وسياسية تقفز أحيانًا في نقاشاتنا ومنتدياتنا.. .

   قبل مدّة شاهدت فيديو عن أشهر القتلة المتسلسلين في العالم الغربي، فطرأت علي فكرة ما، جعلتني أثبّت المقطع في المتصفح، ثم بين الحين والآخر أنقل اسم القاتل الذي وصل المقطع إليه، وأكتبه في جوجل وأقرأ ما كتب عنه من مقالات وأشاهد ما أنتج من فيديوهات وثائقية، فلاحظت أن كل القتلة المتسلسلين [ ممن تمكنت منهم الجهات الأمنية، وقبضت عليهم (خصوصًا في أمريكا وبعض الدول الأوروبية) ثم حكم عليهم بالسجن المؤبد (وركز أنك تتحدث عن شياطين في أجساد بشر قتلوا بين 20 ضحية إلى 600 ضحية) ]، أقول: لاحظت أن حياتهم منذ القبض عليهم تمرّ بهذه المراحل العجيبة:

   . وجوههم تظهر على أغلفة أشهر المجلات والصحف العالمية.

   . المصورون والإعلاميون والمراسلون يزدحمون عليهم، فيبصر المجرم من الأضواء والمايكات مالم يحلم به ممثلو هوليود ونجوم كرة القدم.

   . الجميع يخلّد أسماءهم بمؤلفات ومقالات وحتى حسابات في مواقع التواصل تتسمى بأسمائهم وتضع صورهم.

   . لقاءات لم يحلم بها الأبرياء مع كبرى الشبكات الإعلامية، وأفلام (تخلّد) شخصياتهم وقصة حياتهم بل تفاصيل مشاعرهم ونظراتهم وعلاقاتهم الشخصية.

   . اهتمام حتى بنوع ما يأكلون، وما هي الرسومات والكتابات والاهتمامات التي انصرفوا إليها في سجنهم، وهذا كثير جدًا.. جدًا، يعني كمثال أحد القتلة اسمه (Keith Hunter)، وله لقب كذلك: (القاتل ذو الوجه السعيد) والألقاب من ميّزات كونك مجرم وسفّاح في تلك البلاد، أقول: هذا المجرم تم استعراض رسوماته في الإعلام، بل وجدت له صورة ورسوماته معلقة خلفه بترتيب جذاب، وهو جالسٌ أمامها جلوس أي فنان تشكيلي مزهو برسوماته وأمام الفلاشات (وهي صورة المقال في الأعلى)؛ بل من المضحك المبكي أن أحد اقتراحات البحث لما بحثت عن اسمه هي (Keith Hunter Art) يعني (فن كيث هنتر)، مع العلم أن هذا المجرم قتل واشتبه بقتل (ما يعني أنهم يعلمون أنه القاتل لكنه ببساطة لم يعترف) أكثر من 160 شخص بالخنق، يعني يخنقهم بيديه، وغالب ضحاياه من البنات!!

Alfred Gaynor قبل السجن (يمين)، وبعده (يسار).. واضح التعاسة على جسده!!!
   وآخر اسمه (Alfred Gaynor) له رسمة اشتهرت لما يعتقدون ويصورون أنه المسيح، وقد جعله في وضعية الجلوس وطلب المغفرة من السماء، مع العلم أن هذا الشخص الذي يستمتع بالرسم في جو هادئ بالسجن قد قتل العديد من النساء؛ بل وقام بالتمثيل في جثثهن، ولعله اشتهر عندنا بعد انتشار مقطع له أثناء محاكمته، وقد انقضّ عليه ابن أحد الضحايا ليقتله (لأنه يعلم كما يبدو أن أقصى أمره السجن المؤبد عدةّ مرات!!).. لكن الشرطة أمسكت بالابن المكلوم وأحاطت به، وفرّت بالقاتل خارج المحكمة(!)، وقد كان في ذلك الوقت نحيلًا يافعًا، ورأيت صورًا له وقد صار رجلًا مفتول العضلات لاستمتاعه بتمارين السجن وبالبروتينات التي يقدمونها له فيما يبدو!!!!

ابن أحد ضحايا Gaynor يحاول أن يطفئ غيظه بيده لعلمه أن آخر حدّهم سجنه وتعليفه ليرسم ويتمرن
   أيُّ نارٍ يحملها عوائل الضحايا وهم يرون السفّاح (وآه من نظراتهم الحائرة في المحكمة) يفلت من العقوبة (المستحقّة) دون أن يكون لهم أي حق في إبداء الرأي، ويذهب ليستمتع في سجنه بأن الشرطة تحميه من الانتقام، ليقضي وقته يرسم دون قلق ويتمرن ويكوّن صداقات في السجن!.

رسمة Alfred Gaynor عن المسيح، احتفى بها الإعلام وكانت كافية لدى البعض للنظر إليه بحنّية
   . يعيش هؤلاء وأمثاله في السجن عيشة هادئة جدًا، بين أكل وشرب وكتب ومجلات وصداقات جانبية، بل بعضهم يعيش متعة التأليف!

   . كذلك لاحظت أن أخبارهم لا تنقطع أبدًا، فهي تظهر بين الحين والآخر دون انقطاع، ويتم تحديثها من وقت لوقت، حتى وجدت أخبارًا حديثة لمجرمين سجنوا منذ ثلاثين سنة، وقد رأيت لأحدهم صورة اشتهرت عندهم وهو يلتفت للأعلى بعينيه يتصنّع السكينة؛ لأنه -كما يزعم- وجد المسيح!!

   كنت أتابع أخبار هؤلاء والدم والله يغلي في رأسي، ضحايا هؤلاء السفاحين ليسوا من أقاربي ولا أعرفهم، ولا يجمعني معهم لا دين ولا دنيا ولا لغة ولا عرق، اللهم إلا جانب الرحمة والشفقة فقط التي تجعلني أقول: لو لم يكن هناك أي نص شرعي حول القصاص في الإسلام أو ما قبله من الأديان، لاعتقدت أن عقول البشر ستهتدي إلى جدوى قانون (النفس بالنفس) قطعًا دون أية حيرة.

   أن يهتم الإعلام وجماهيره بطفولة هؤلاء السفاحين: المسكين.. كان جدّه يضربه، وكان زوج أمه قاس عليه، ويتأملون حركاتهم وسكناتهم وأخبارهم، بل بعض معجبي المشاهير (أيا كان هذا الشهير: مجرم، أحمق.. إلخ) تجده يرسم الوشوم لهم وتعجبه كاريزماهم، وننسى عشرات الأنفس البريئة من أطفال ومسنّين وغيرهم عاشوا لحظات مرعبة مخيفة وحشيّة لا يمكن وصف تفاصيلها لقبحها أمام هؤلاء الوحوش الذين يظهرون أمامنا في اللقاءات والمقالات بنفوس هادئة (طبعًا!) منفصلة تمامًا عمّا صنعوه بأيديهم وخطّوه في ملامحهم أثناء تلك اللحظات.

   من الممكن بل الأكيد أن طفولة أولئك الضحايا أتعس من طفولة هؤلاء القَتَلة، لكن ياللأسف.. حظهم التعيس جعلهم ضحايا لا قتلة متسلسلين، حتى يهتم الناس بطفولتهم، وللأسف كذلك طفولتهم لم تؤد إلى إنتاجهم كقتلة، وإنما كضحايا لهؤلاء القتلة المتسلسلين!!.

   ونعم.. لا بد أن أنبه على لزوم أن تكون صاحب قتلٍ متسلسل مع دراما ملازمة لأسلوبك في القتل والتخفي والاستفزاز، فجريمة جريمتان.. لا تكفي للشهرة.

   للأسف، إعلامهم يتذكر ويحتفي (بأي حجّة كانت) بأحد هؤلاء المسوخ: طفولته، أفكاره، حياته الهادئة في السجن، ماذا يفعل في السجن.. إلخ، بينما 600 ضحية من ضحاياه ماتوا لا تجد للكثير منهم صورة واحد، ولا صفحة في ويكبيديا، ولا حديثًا عن طفولتهم.. ولا إحياء لأي ذكرى لهم، وحتى لو كان هناك احتفاء حصل وقت القبض عليه والبحث عن جثثهم، فإن الاهتمام بهم يصدأ ويتآكل مع الأيام، ويبقى الاهتمام بهؤلاء السفاحين.

   هذا بلا شك انقلاب في المفاهيم عجيب، ويرجع أمره إلى هذه (الرحمة!) العجيبة للقاتل وعائلته وماضيه، وتلاشي مأساة القتيل وعائلته وماضيه من ذاكرة المجتمع، وعندنا شيء من آثار هذا المظهر وهو الوصول في طلب العفو والشفاعة  إلى حالة ابتزاز أهل القتيل في أخلاقهم وكبريائهم وحيائهم، فتضجّ العالم طلبًا للعفو، فإن لم يحصل المطلوب! انقلبت الحال إلى ما يشبه الهجائية الغير مباشرة، مع أنه من أعظم الحقوق التي حفظها الله تعالى لهم.

   ومن آثار هذه الرحمة العجيبة، إظهار التقزز من الإعدام بالسيف، والسكوت عن الإعدام بأشنع قتلة: الكرسي الكهربائي وتمزيق الأحشاء الداخلية حرقًا!!!

   ومن آثارها المضحكة عند منظمات العفو (المشبوهة!): إظهار الفاجعة من الإعدامات بحسب عددها، فإن كانت قليلة سكتوا، وإن كثرت تصايحوا وتنادوا لإنكارها!! فأي مبدأ يسيّر أمثال هؤلاء؟ الأرقام؟!

   صدق الله تعالى: { ولكم في القصاص حياة }.

من لقاء لأحد السفاحين وهو يشرح بأريحية ويبرر أسلوبه في القتل (التعذيب في شاحنة معدّة للضحايا)

.
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

تزدان المدونة بتعليقاتكم وملاحظاتكم.

إعلان أسفل المقال