جاري تحميل ... مُدَونة كِتَاف

إعلان الرئيسية

إعلان في أعلي التدوينة

اصبع-للأسفل-سلبي-تشجيع-ضد-بوو

تعجبني مقاطع الستاند أب على وجود بعض البذاءة اللفظية في بعضها، لكن فكرة الوقوف أمام الجمهور وبث الملاحظات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والفكرية في قالب ساخر مغري للغاية ويستحق القيام به كما يستحق الاستماع إليه.

ومن جميل ما مر علي من هذه المقاطع، حديثٌ لرجلٍ أمريكي يحكي فيه بعض ما جنت عليهم دولتهم في المجال الاقتصادي، وسعيها في مضايقة المواطنين في معيشتهم أكثر وأكثر، لكنه ختم كلامه بجملة يائسة لكنها طريفة وتلفت النظر إلى أمرٍ مهم، وذلك حين قال: "هم يتجهون لذلك، وسيأخذونه رغمًا عنكم، ولن تستطيعوا فعل شيءٍ حيال ذلك، إذن.. كونوا سعداء بما لديكم، واستمتعوا بحياتكم".

وبغض النظر عن السلبية التي قد تكون غير مقصودة هنا، إلا أنّ غياب معاني القناعة في واقعنا بث فيه حالةً من الاشمئزاز والتشاؤم الشديد، والنظرة السلبية المسبقة والمحيطة بالشخص، حتى يصبح رسميًا من "مسوّدي" وجوه الغير، ألم يمر عليكم شخص يُذكر له الجانب الإيجابي فيجتهد في خلق الجانب المظلم، فيقال عنه: فلان يسوّدها في وجهك، فيصبح وجوده بشرى سوء على الأجواء.

ولعل من أسباب ذلك: بعض كتاب الصحف، والمنتديات، والأجواء السلبية في تويتر مثلًا، والتكثيف الإعلامي المتواصل للأخبار السلبية، وإن كانت كاذبة.

العديد من الشباب يحب أن يصنع في سيرته الذاتية مسيرة شخص: يكره الفساد، ويحاربه بشراسة، ولا يخشى أحدًا، ويفتنه أن يكون كبعض كتاب الصحف في نقد الأحوال وإصلاح الأوضاع وما سوى ذلك من المعاني والمصطلحات الرنانة التي صارت تجذب العديد من الشباب، لكنها مع الأسف حولتهم إلى نسخ أخرى، تنسخ المشكلة، والحل، وتزيد في النياحة، والصراخ.. والاحتجاج.

أحيانًا أعتقد أنني لو صوّرت علبة بيبسي فارغة مرمية في الشارع ثم نشرتها في المواقع الاجتماعية وبعض المنتديات فإنني سأجد بلا شك صراخًا عجيبًا ومبالغًا فيه وعويلًا ونياحة وتشاؤمًا وتصديرًا مباشرًا لمصطلحات مكررة، من مثل: الطاسة ضايعة، من جرف لدحديرة، الضرب في الميت حرام، وينك يا أحمد الشقيري، الفساد وصل لعمال النظافة، مع اقتباس جملة من الكاتب فلان، وأخذ نبذة عن سيرة عمر بن عبدالعزيز رحمه الله تعالى، والإغراق في التشاؤم، ولا بأس من المرور على ذكر السجناء، والبلد في انحدار.. ووووو، حتى تكاد تدخل عليه في الشاشة وتقول له: الله يسودها في وجهك يا شيخ !

وأذكر لفتة جميلة من أحد الأفاضل حول هذا الأمر، حين أبدى امتعاضه من مجالس يزورها الشخص فيتحدث هذا عن أمر سلبي، والآخر عن مثله من زاوية أخرى، والثالث يأتي بها من زاوية أخرى.. وهكذا يستمر المجلس على هذا الموال حتى يخرج الإنسان منه وقد بلغ مبلغًا مقرفًا من السلبية، ويظن أن الدنيا ولى خيرها وأقبل شرها، كأن تجلس في مجلس يكون جلّ الحديث فيه عن خطف الأطفال، أو الحروب أو جرائم الأعراض.. ونحوها.

طبعًا لا أعتقد أنني بحاجة إلى التوضيح عن أهمية إحساس المسلم بمعاناة أخيه، وإرادة الخير لبلده، وكره السلبيات.. إلخ إلخ، لكن مقصودي من المقال هو الاعتدال.. والاعتدال فقط، لأن لكل شيء حدود.. حتى الإنكار والاحتجاج، وإذا تجاوز الإنسان فيهما حُرم فضل الصبر، التي هي من سمات الرجال العظماء، قال عليه الصلاة والسلام: "عجبا لأمر المؤمن، إن أمره كله خير، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر.. فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر.. فكان خيرا له".

والأخطر في هذا الموضوع أن يصل الأمر للافتراء المحض بحجة الشحن المسبق لسيرة محاربة الفساد، ومن طريف ما مر علي من ذلك أنني كثيرًا ما اطلعت على مواضيع تستعرض بعض الأعمال لمؤسسات خيرية أو إدارات حكومية.. وغيرها، ليبتدأ الأعضاء (السلبيون مسبقًا) بتحليل الصور والفيديوهات تحليلًا يستنتجوا من خلالها أمورًا عظامًا في حق المنتسبين لتلك المؤسسات والإدارات، كالسرقة والتهاون في خدمة المنتسبين إليها وسوء العمل.. وووو، انطلاقًا من مجرد التفكير السلبي أو الشائعات دون أي حقيقة واضحة تجعل الذمة بريئة ونقية، وقد قال صلى الله عليه وسلم: " إياكم والظن فإن الظن أكذب".

بل ووصل الأمر في هذه المبالغة أن يفترض الإنسان مسبقًا أنه يحق له أن يصف أي مسؤول بالفساد والسرقة لمجرد أنه (مسؤول) لا أكثر ولا أقل؛ لأن كل واحد يريد أن يصبح بالغصب ذلك الكاتب الشجاع كالكاتب فلان الذي يحارب فساد المسؤولين، فيبدأ بالبحث عن مسؤول ما أو مؤسسة ليفتح الفصل الأول من سيرته في محاربة الأشرار.

لاشك أن هناك ضغوط وتقصير في النواحي الإدارية والاقتصادية، هذا أمر لا يخلو منه أي بلد مع الاختلاف في الدرجة، لكن لماذا يزيد الإنسان الضغوط على نفسه، ويحمّلها مزيدًا من العبوس والتشاؤم، وقد قال الله تعالى: "لا يكلف الله نفسًا إلا وسعها"؟!!

فقط أفق أخي الشاب من سطوة الأجواء السلبية التي قد يكون ضجيجها مغريًا، والتفت لما بين يديك وكن سعيدًا به، واذكر نعمة الله عليك في إسلامك ومالك وصحتك وعائلتك، ولتخلق توازنًا (يؤثر في طرحك) بين ما تجده من خير في حياتك، وما يظهر لك من سوء، وتذكر أولا وأخيرا قول الرسول عليه الصلاة والسلام: "من أصبح منكم معافى في جسده آمناً في سربه عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا".
4 تعليقات
إرسال تعليق

تزدان المدونة بتعليقاتكم وملاحظاتكم.

  1. ما شاء الله تبارك الرحمن ..


    أراك برزت في الكتابة .. وأصبحت من زمرة الكتاب المبدعين والذي يعجبني توجهه .. فكر نظيف

    لك مستقبل زاهر بإذن الله ..

    وأنا من المتابعين لمقالاتك على الفيس ..

    وفقك الله ،، استـــمر ..

    ردحذف
  2. أهلا بك أخي..

    حياك الله تعالى، وأشكر لك حسن ظنك بأخيك.. بارك الله فيك.

    ردحذف
  3. هذا طور من أطوار بعض مريدي الثقافة عندنا اللي ماخذينها من ورا , تابعت كثير من شخصيات تشابه الشخص الذي يصفه المقال ووجدت أن مرجعه لا يتعدى صحيفة سبق والوئام والشلة الغبية ذات الطريقة الفضائحية في الأعلام , هناك الطور الآخر المتقدم لهذه الشخصيات وهو قراءة بعض كلام الجميل محمد الرطيان وبعض الكتاب الذين ينهجون النهج الساخر في نقد المجتمع لكن قالوا قديماً : يا شين السرج ...

    أعتقد أن الكل يجمع على أن مجالسة هؤلاء ثقيلة على المعدة بل وقد تؤدي إلى أمراض عضوية كالحرقان وأمثاله لكن عليك بالوجيه السمحة التي تبتسم دائماً في هذه الدنيا وتغض طرفها عن الجانب المظلم طالما لا تستطيع لتغييره سبيلاً .. دمت مشحوطاً بتسديدات ستيفي تي في :)

    ردحذف
  4. حياك الله بو مطير..

    ماذكرته هنا هو بذاته الدافع لكتابتي للمقال، للأسف هذا الطبع يذهب بصاحبه إلى دائرة الثقلاء مباشرة، وكم من شخص كان خفيف الحضور جميل الكلام مشرق الطلعة، لكن شحن رأسه بالسلبية فغث نفسه زيادة عن اللازم، بالطبع لا أطالب أن يكون بليدًا لكن التوازن هو المطلوب.

    وعلى طاري الرطيان، أول ما نشرت المقال كان هناك عدة فقرات حذفتها لتقصير المقال (إي نعم تراه قصير ألحين!) مما كتبت فيها: ومن الطريف أن الكتاب والرموز الذين يقتدي بهم هؤلاء تجد التنوع في طرحهم والبعد عن التشاؤم والصراخ والتوازن في بث أفكارهم؛ لأنهم يعتمدون على الإبداع في نقد الواقع لا على الصراخ والنحيب والافتراء والجرأة.

    أما الشحط فالعبرة بآخر لقاء. ؛ )

    ردحذف

إعلان أسفل المقال