جاري تحميل ... مُدَونة كِتَاف

إعلان الرئيسية

إعلان في أعلي التدوينة

حفظ-السر-الأسرار-اششش-اسكت-اصمت-اخرس

يستهويني أحيانًا أن أفتح موقع جوجل ثم أبحث في الجمل الآتية (شعر الحكمة.. أبيات الرقائق)، لأنه يجب أن يكون هناك من أبدع في جمع أبيات من الشعر في بعض المنتديات والمدونات والمواقع، وغالبًا ما أقع على ما أريد من الجمع المتقن والرائع للشعر والأبيات وأقوال الحكمة.. ونحوها، وأشعر أحيانًا أثناء البحث (أي بحث) في رغبة بسؤال بعض الناس: لماذا تقومون بجهود رفع هذه المقاطع وتلك الفيديوهات والترجمات.. وغيرها، حتى أنني أجد أحيانًا مقاطع نادرة أو قديمة أو لا تتخيل أنك ستجدها.. مرفوعة، وكأن صاحبها خُلق ليرفعها ثم يختفي بعد ذلك، والإجابة بلا شك تكمن في سنة تسخير الناس بعضهم لبعض.. فسبحان الله. على أية حال.. خلال بحثي عن أشعار الحكمة وقعت على موضوع خُصِّص لجمع الأقوال والأبيات الفصيحة عن موضوع (حفظ السر)، وكان بحق جولة ممتعة يشوبها فقط سوء التنسيق، وكان أول ما وقع عليه بصري هو:

وللسر مني موضع لا يناله *** نديم ولا يفضي إليه شراب

حينما قرأت هذا البيت قلت في نفسي: غفر الله للمتنبي، ألحين ما يحتاج شراب أبدًا، الأسرار تُفشى بتبرع كامل من المُوَصَّى بحفظها، وبكل سرور، وممكن مع كل سرٍّ يُفشى تأتي معه "حشّة" على صاحب السر مجانًا.

تكاد تنعدم أمانة "حفظ السر" ويحل محلها هذا المشهد المكرر منذ سنوات الطفولة:

- فلان، أريد أن أفضي إليك سرًا خطيرًا عن صاحبنا زيد، لكن أرجوك.. أرجوك لا تخبر أحدًا؛ لأن زيد أمّنني على حفظه، وحرص على ألا يدري به أحد !!! :|

هذا المشهد أعتقد أنه معروف لديكم، ويجعلني أستغرب من أصحاب هذه الجملة، هل يظنون أن (أحد) الذي ورد في عبارة صاحب السر حين قال: (لا تخبر به أحدًا)، هل يظنونه شخصٌ ما اسمه (أحد)؟! فقط هو الوحيد الذي يجب ألا يدري بالخبر، أو أنهم يستوعبون حقيقة هذا التحذير وأنه يعني بوضوح: لا تخبر به طرفًا ثالثًا أبدًا؟!

إذا كانوا يستوعبونه كما ذكرته في آخر الفقرة الماضية، فلماذا يهرولون إلى طرفٍ آخر ويوهمون أنفسهم أنهم لم يتجاوزوا حفظ السر، فقط لأنهم قالوا للطرف الثالث الجديد: (لا يعلم به أحد!) وهو ما يعني به حقيقة: لا يعلم به طرفٌ رابع. وهكذا حتى تنمو أطراف أخطبوط الخيانة.

كما قلت: كنت أتجوّل بين الأبيات وأقوال الحكماء في حفظ السر (في صغري كانت كلمة "الحكماء" تجعلني أظنهم مجموعة مسنين لهم لحى بيضاء وطويلة يجتمعون في السنة مرّة كي ينتجوا هذه الجمل! أتكلم جد.)، أقول: لفت نظري هذا البيت الجميل الذي يعيد شيئًا من الانتعاش إلى بيت المتنبي الرائعُ المستهلك، وهو قول الشاعر:

ولها سرائر في الضمير طويتها *** نسي الضمير بأنها في طيّه

طبعًا الضمير في عصرنا ما ينسى، ويتذكر جيدًا أنها في طيّه، ثم إذا قابل بقية أصحابه من الضمائر أخرجها من الطي ووزعها عليهم لوجه الشيطان.

لذلك أنصح كل من عانى من شخص أمّنه سرًا أو نقل عنه حديثًا لا ينبغي أن يشيعه أن يقول له: حسنًا.. أنتَ معاقب بعدم إخباري لك أي سر مرّة أخرى.

وبعد مروري على كامل ذلك الموضوع اكتشفت أن الحكماء كانوا ربما يشتكون أكثر من كونهم "ينصحون"؛ لأنه أحيانًا أحسّ أن جملهم تنضح حرارةً وقهرًا، فهذا أحدهم يقول:

أناسٌ أمِناهم فنمّوا حديثنا *** فلَمَّا كتمنا السرّ عنهم تقوّلوا

ويقول حكيم: لا تودع سرّك حازمًا فيزل، ولا أحمقًا فيخون. كأنه يقول لك: لا تخبر أحدًا.

وبكل صراحة، لن يخرج الإنسان من هذه الوصايا والأشعار إلا حائرًا ومسيئًا للظن بكل الناس، والأكيد أن من يغتاب صاحبه ويفشي سرّه أمامك سيفعل بك ذات الأمر عند غيرك.

ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

تزدان المدونة بتعليقاتكم وملاحظاتكم.

إعلان أسفل المقال