جاري تحميل ... مُدَونة كِتَاف

إعلان الرئيسية

إعلان في أعلي التدوينة

شقاوة-الأطفال-عبث-الأولاد-طفل-خبيث-شرير-شقي

من نعم الحياة أن يكون للإنسان غرفته التي يستطيع فيها أن يعتزل العالم كله، إذا كانت متكاملة طبعا فيما تحب أن يكون متوفرا فيها.. والأجمل أن تكون ذات الغرفة مستودعا لأيامك، ومخزنا لأسرارك.. ففيها أرشفة أنشطتك وماضي أوراقك.. لا أدري لماذا أحس أنني يجب أن أصف تلك الأمور بـ: (حوسة الماضي!) بالعامية.

كنت قبل أن أنتقل للمرحلة الجامعية ممن يعيشون في غرفتهم الخاصة.. فيطمئن على كل مافيها حين يغيب لسفر أو لأمر آخر، إذ أنها بين أكثر الناس أمانا بالنسبة لأي واحد فينا، وأشدهم حفظها لخصوصياتنا وأغراضنا: الأهل (ماعدا الأطفال طبعا.. احذروهم فهم العدو لأغراضنا والأجهزة الإلكترونية منها خصوصا، لطالما تساءلت: لماذا لا يدفق الأولاد السوائل على أي شيء في العالم لا نخشى عليه.. لماذا يتجهون تلقائيا لأي جهاز يرتبط بالكهرباء ويدعون تلك اللعبة أو ذاك العصا؟!).

المهم.. كانت تلك الغرفة مكتبتي، وحلبة المصارعة التابعة لتدريبي، ومرسى ألعابي الإلكترونية، وهي مهربي إن رغبت عن الناس، ومخبئي الذي أضع فيه أسراري.. وهي بلاشك مستودعي.

انتقلت بعدها للجامعة، ولم أزل مطمئنا على الغرفة وما حوت، لولا أن تدخلت يد الباكستانية والهنود بدعم من أهلي ليهدموا جدرانها بعد أن كوّموا أغراضي كلها ووضعوها في مكان مناسب بلا شك.. ولكن للأطفال، وكما قيل: يا غاب القط.. العب يا فأر. ما قصروا الله يجزاهم خير، صار دفتر برامج الحلقة وأنشطتها خلال أربع سنوات ألذ صفحات للرسم في الوجود بالنسبة إليهم، وتحولت الكثير من كتبي إلى أوراق مقطعة على شكل بشر أو حيوانات لكي يخترع أخي خالد أو جهز الشخصيات التي يريدون.. بعد أن يتنزل عليهم كره غريب للألعاب الجاهزة التي تفوق تلك الخزعبلات، وبعضهم يقرر أن يضع مسابقة رهيبة مع أخيه: أيهما ينتهي من تقطيع أوراق الكتاب الذي بين يديه قبل الآخر.. بغض النظر عن كون الكتاب لابن القيم أو لابن الوردي.. أو صور من حياة الصحابة.

لا أحكي لكم عن التفاصيل.. عدت وكان لسنا الحال: وَلِي وَلِي.. يا وَيْللي. وماذا ينفع الصراخ والعتاب فضلا عن ملاحم/ملامح الحزن والدهشة، فقد كنت في ظلام اللامبالاة..(ومين شايفك ياللي عيونك في الظلام تغمز؟!) سلمت الأمر بما أن الحجة جاهزة وقوية، وهي: توسعة المنزل.. فاضطررت إلى جمع بقيةً مما سلم من أيادي الأطفال الأشرار.. كم كان شعورا محبطا للغاية، ليتهم أخذوا كل شيء.. وتركوا على الأقل تلك الملفات التي حوت ذكريات أربع سنوات بين الحلقات والتوعية الإسلامية.. ورحلات العمرة.. ورحلة الحج.

مو هذا موضوعنا..!

الموضوع أنني كلما أعود لمراجعة ما تبقى من تلك الأوراق وغيرها أيضا من الدفاتر والكتب والمذكرات الجامعية تمرُّ علي ملاحظات كتبتها أنا بلا شك لكني أستغرب منها إذ لا أفهم بالضبط مالذي كنت أريده وقتها.. ولماذا قيدتها.. وأحيانا أسأل: متى؟!

من الواضح أن بعضها فكرة لمقال، والبعض أرقام جوالات لا أعرفها.. وأخرى لا أدري ماهيتها بالضبط، وعلى أية حال.. كان المرور على تلك الملاحظات ممتعا جدا، أشبه مايكون بحل الألغاز، وهنا.. أحببت أن أشرككم معي في الاستغراب والدهشة والحلول:

- إحدى الملاحظات ضحكت عندها كثيرا، وهي في الحقيقة رسمة لرئيس تنظيم القاعدة -كما يبدو- وهو يضع إصبعه على رأسه وقد خرجت بالونة حوار كتبتُ فيها: (بكيفي.. يعني وش تبغون تسوون!).. ضحكت كثيرا لأنني اطلعت عليها في الوقت الذي ظهر فيه ابن لادن وهاجم الشيخ شريف وطالب بإسقاطه، في موقف أدهش الكثير من المفكرين والمشايخ لأنه يجلب المزيد من التوتر والفوضى للصومال -حسب وجهة نظرهم-.. ماعلينا من دوخة الرأس.. ولا أعلم بالضبط لماذا رسمتها في ذلك الوقت.

- ملاحظة أخرى موجودة في أول صفحة من مجلد (زاد الطالب من أوضح المسالك) وهو نصيحة من الدكتور الفاضل والرائع حسن العثمان (شامي).. قيدتها وقد كنت آمل أن أتذكرها في أيام التطبيق (أي التدريب التربوي العملي في المدراس) يقول فيها مستحضرا السنوات الطويلة التي قضاها في التدريس: لا تسمح أبدا.. أبدا.. أبدا للطالب أن يغضبك، فإنك إن غضبت غلبوك.

- بيت من الشعر قيدته في إحدى المحاضرات لأنه أعجبني كثيرا. يقول فيه الشاعر:
وعليك نفسك فاشتغل بعيوبها *** لا تولعن بنقص زيد أو عمر
ما أجمل هذا المعنى.

- أحيانا أشاهد بعض الرسوم فأتهم نفسي بالوسوسة، لكنني أتذكر جيدا أن بعضها رسم في محاضرات لدكاترة لديهم أساليب تجعل الحليم حيرانا، والذكي حمارا.. بعضها لا يشفع معها صفاء ذهن.. ولا شبع من النوم، فهي تستخرج لك الشعور بالنعاس كما يستخرج الماس من الكهوف،وتحيك في روحك الملل حياكة تبقى ثابتة معك في سائر أيامك.. وبقية عمرك، منها رسمة رجل يدخن وينظر لعينيك قائلا: التدخين مضر بالحصة، ولعلي سخرت في تلك الرسمة من الدكتور الذي يجلب لك النعاس ويسكبه على عينيك سكبا، ثم يغضب إن وجد أحدهم يفرك رأسه من التعب أو يغمض عينيه أو يتثاءب.

- (في الجامعة.. المجد باب أبدا لن تبلغه.. إلا بلعق العتبة)
هذا أيضا من الملاحظات والخواطر العابرة.. واستروا على ما واجهتوا.

- وجدت ملاحظة مفيدة جدا، قيدتها قبل سنة تقريبًا بالتأكيد بعد سماعي أو قراءتي لموضوع يتعلق بها، وهي مسألة اختلافنا حول حرب أمريكا وغيرها من الدول.. هل هو لأسباب دينية.. أو لأسباب اقتصادية سياسية.. ونحوها؟

كانت الملاحظة ردا على من يحاولون أن يثبتوا أن هذه الحرب دينية، من خلال عبارات لجورج بوش -في ذلك الوقت- مثل قوله: (أن الحرب صليبية).. أو تجدهم يحكون تدين بوش والمحافظين الجدد.. أو مثلا يقومون بعرض بعض الصور لقس يتلو على الجنود الأمريكيين وغيرهم ما يتلو من كتبهم المقدسة عندهم.. ونحو هذا.

كان ردي سؤالا.. هو ما قيدته في تلك الملاحظة: (هل يشترط أن تكون الأدلة على وجود الأهداف الدينية لتلك الحروب مباشرة وصريحة؟).

سأوضح لكم ما دار في فكري وقتها وأصيغه من جديد لأن الملاحظة كانت فوضوية: 

لماذا لا نقول أن الحرب تمسنا (نحن) عقديًّا ودينيا.. بغض النظر عن أهداف الطرف الآخر، ونرد على من يقول أن أهداف أمريكا سياسية واقتصادية بتوضيحنا أن حربهم أيا كانت أهدافهم فيها فإنها ستؤدي في النهاية إلى المساس بنا دينيا.

لتكن الحرب اقتصادية، لكنها بالنسبة لنا ستكون دينية، لأنها تتعلق -مثلا- باحتلال بلد مسلم.. ولا تتحقق إلا عبر ملايين الضحايا من المسلمين.. ومن أهدافها سرقة ثرواتنا.. ونحو هذا.

لتكن أهداف الحرب سياسية.. لكن أهداف هذه الحرب السياسية بالنسبة لأصحابها لا تتحقق إلا عبر احتلال بلاد المسلمين، والغزو الفكري ضدنا، وتفريق صفوفنا، ودعم الرويبضة وأهل البدعة والأفكار الهدامة في بلاد المسلمين، ونحو هذا مما عايشناه من آثار الحروب الأخيرة ويمس عقيدتنا وإن حقق للعدو أهدافا توسعية سياسية.

فحينما تطمع بعض الجهات العالمية مثلًا بتفتيت السعودية، وتحاول شيطنتها من خلال الكذب المتتابع، أو التربص بأخطاء تحصل ثم النفخ فيها، ويظهر أحد المشايخ ويقول أن هذا استهداف للإسلام، فإنه بهذا المعنى الذي ذكرته.. يكون كلامه صوابًا 100%، فسقوط النظام السنّي، وحدوث الفراغ (وحرب العراق وحل جيشه يثبت أن إحداث الفراغ وسيلة حتمية ومقصودة ومتعمدة في أي فوضى قادمة سواء بحرب مباشرة أو بإعلان العصيان من بعض فئات الشعب وحملها للسلاح بسبب الشحن الإعلامي.. إلخ) يعني أنه لن تقوم للسنة قائمة، فالوعي بخطورة أهل السنة على المشاريع الغربية موجود في خلفيتهم الفكرية والسياسية منذ الاستعمار، ولذلك مكّنوا الأقليات المذهبية والفكرية لتخنق العراق (البعث) وسوريا (العلوية) وفلسطين (المنظمات الشيوعية وحزب الإخون).

فمثلًا لو حصل وأن أقيمت الحرب ضد السعودية بعد شيطنتها كما حصل لصدام وكما يخططون له في سوريا والتي -على خلاف السعودية- يسهل شيطنة نظامها، وشحن شعبها مهما كانت قبضته الأمنية، فينتج هذا الضخ الإعلامي عصيانًا مدنيًا مسلحًا، أو داخل الجيش، أو عبر الأقليات الأكثر احتقانًا بالضخ الإعلامي.. إلخ، فسيحدث الفراغ حتمًا، ولن تسمح تلك الجهات الدولية المتربصة بالحسم الكامل من أي طرف، وستكون الجزيرة العربية ميدانًا للميليشيات الإيرانية، تذبح أبناءنا وتستحي نساءنا، ولن يكون ذلك طبعًا إلا على أشلاء رجال هذا البلد الطاهر، وسنرى من القاعدة والتطورات المنبثقة عنها (كما حصل في العراق) أشد مما سنراه من الإيرانيين، وسيكون ذلك باسم السنّة وباسم الجهاد، وانظروا كيف فتك بسنة العراق قبل سنتين بحجة القاعدة وإماراتها الخيالية التي لا تنتهي، وكانت ولا زالت بمثابة الضوء الأخضر لتدمير مدن السنّة.. وتغييرها سكانيًا.

نسأل الله أن يقي بلدنا وبلاد المسلمين الفتنة، ويعيذنا من شرّ هذه الموجات الإعلامية القاسية، وأن يعلو صوت العقل.. على صريخ الغوغاء ودويلاته.
4 تعليقات
إرسال تعليق

تزدان المدونة بتعليقاتكم وملاحظاتكم.

  1. كلام مجرمي حرب ! .. و الحقيقة احتوت ملاحظات جداً جميلة جملك الله يا جميل ! ..
    عندي مشكلة يا أخي .. !؟
    وهي أن غرفتي يشاركني فيها أخي الصغير .. و سبحان الله لا يمكن أن يسلم كتاب أو ورقة أو مذكرة أو دفتر ملاحظات من بصمات ليونارد دايفنشي !

    شكراً عمي : )
    وردة !

    ردحذف
  2. أهلا بابن أخي Oo

    شكلك كشفتنا.. كانت جرائمي في الحرب قليلة جدا.. تخصص قتل شيبان فقط.. والحمدلله اختصرت عليهم الآلام<< مجرم حرب صحيح.

    أما أخوك فلا بأس أن تكون مجرم حرب معه دون قتل أو ضرب، علمه شيئا يُسمّى بالقوانين.. وإلا فلتعبث بأغراضه كما يصنع معك. << خوش نصيحة

    مرحبا بك.

    ردحذف
  3. السلام عليكم ،،

    ذلك الماضي هو اللذي يكشف شخصك سابقا،وماذا تغير!!

    وللأسف عن نفسي فأنا فاقد للخصوصية ،فلا أكاد آتي بورقة إلا وقد علم كل من في البيت صغيرهم وكبيرهم ما بها!

    جميع ما تبقى من ذكرياتي مجموع في كرتونين صغيرين في خزانة ملابسي!!

    والله المستعان..

    ردحذف
  4. أبو حماد’ صدقت وصدقت، فوالله أن ذلك الماضي يبين لك حقيقة تغير اهتماماتك وتباين أمنياتك.. نسأل الله أن يجعل زيادة أعمارنا زيادة في الخير والطاعة والثبات. آمين

    جزاك الله خيرا على مرورك.

    ردحذف

إعلان أسفل المقال