هل سبق أن عُوكِسَت معكم الأمور.. فجأة.. وبشكل متتابع؟!
محزنة تلك النظرة البلهاء التي تتجاوز التفاصيل إلى اللاشيء.. تلك الحالة التي نختصرها بالذهول وعدم تصديق ما يجري ولسان حالك: إيش اللي قاعد يحصل بالضبط؟! لولا أنك تتدارك نفسك وشخصيتك فتردد: الحمدلله على كل حال. وفي نيتك -صراحة- أن تشتم وتشتم وتشتم وتصرخ.. حتى تخرج كل مافي جوفك من سموم القهر وأنفاس الغيظ.
اكتشفت أن بعض الحكماء يعطيك من الرخيص أحيانا، هذا إذا كان حكيما.. لا ندري.. كل ما في الأمر أننا نقرأ قبل بداية الجملة (قال حكيم) ولا ندري أهو حكيم أم رجل شرب نوعا خاصا من الدخان في صباح ما على الريق.. ثم أخذ يهذي.
أقول هذا الكلام حين تذكرت قول أحدهم: إذا تركت الأمور لنفسها، فإنها ستتجه من سيء إلى أسوأ.
وأرد عليه قائلا: وأحيانا إذا تدخلت في تلك الأمور فستتجه من أفضل إلى أسوأ... وستخسر.. وستصاب بالغيظ والقهر ورفع الضغط والسكر وأمراض الشرايين وسرطان الرئة، ستصبح علبة دخان متنقلة.
انتهى دوام يوم الأربعاء الماضي 26 / 4 / 1430هـ.. وذهب جمع العزاب والعوائل من المجمع السكني في إحدى أحياء بريدة إلى أهاليهم، وبقيت أنا وحدي لاشتراكي في أنشطة المسرح الجامعي، وقد كنت ملتزما بالبروفات التي آخرها ليلة الخميس.. .
مضى اليوم على خير، وقررت السفر في الصباح الباكر لغلبة النعاس، وعند الساعة السابعة والنصف من صباح يوم الخميس كنت أنزل عبر درج السكن وكلي انتعاش وسرور بعد انقطاع شهر ونصف الشهر عن مدينتي.. رفحاء.
كل شيء على ما يرام.. السيارة.. الأغراض.. الشقة.. كل شيء، ولكن مهلا.. كانت بيدي بطاقة الصرافة لكني افتقدت زميلتها الملاصقة لها دائما: بطاقة الأحوال.
رجعت إلى الشقة، ولن أطيل عليكم في وصف انتقال الحال من الاطمئنان إلى القلق، ومن التفتيش الواثق عنها إلى الاضطراب بعد ثوان معدودة.. وحتى تصل بنا الأحداث إلى نفض الشقة والسيارة والشارع وكل شيء حتى أنني بعثرت الشقة مرارا.. ولكن لاشيء.
وفي الساعة التاسعة كنت أنزل من الدرج مبتسما ومطمْئِنًا نَفسي: "الحمدلله على كل حال.. البطاقة مر عليها تسعة أعوام.. ولم يبق على انتهائها إلا أقل من عام.. إذن خِيرة.. نخرج واحدة جديدة ونرتاح من همها القادم لا محالة إن بقي في العمر بقية.
والآن.. اطمئن يا رجل.. كل شيء على ما يرام.. السيارة.. الأغراض.. الشقة.. مهلا !"
نظرت إلى يدَي الخاليتين وقد كان آخر علمي بأحدهما ممسكة ببطاقة الصرافة قبل ساعة ونصف، أحسست بغيظ ورجعت إلى الشقة وقلبت الحابل بالنابل.. ونفضت الشقة حتى أعدت ترتيبها.. وباختصار شديد.. بحثت عنها في كل مكان بحثت فيه عن البطاقة الشخصية؛ لأن الصرافة كانت بيدي أثناء البحث.. ولكني -مع الأسف- لم أجدها إطلاقا.
نزلت من الشقة محبطا بعض الشيء لكني واسيت نفسي أن رأس مالها خمسين ريالا لبدل المفقود ونصف ساعة في بنك الراجحي لأحصل على أخرى.. الأمر يسيرٌ إذن.
الحمدلله على كل حال.. الآن يجب أن يكون كل شيء على ما يرام.. السيارة.. الأغراض.. الشقة.. لكن !
(لكن) الأخيرة تعكس حالي حينما وضعت المفتاح في السيارة ثم أدرت المحرك لكنه لم يشتغل أبدا، وكأن السيارة خالية من المكينة ومتعلقاتها، ابتسمت غير مصدق ثم أدرت المحرك كرة أخرى لكنها أبت، وحتى محاولة إطلاق صوت التشغيل لم أسمعه.. السيارة في سابع موتة، أحسست بغيظ شديد وبدأت حرارة الشمس تقوم بواجبها في زيادة حرارة الجسد والغضب.. .
بعد أخذ ورد مع السيارة امتد حتى قاربت الساعة الحادية عشرة، أخذت مفكا حديديا وشرعت في دق عيون البطارية وأسلاكها بدافع من الإحباط مع خبرة سابقة، وفي الأخير.. حنّت سيارتي على صاحبها -بفضل الله تعالى- فاشتغلت. ركبتها سريعا وليس بين عيني إلا مدخل مدينة رفحاء، خفت أنني سأتأخر أيضا بسبب ما يظهر لوجه الله -عز وجل- فأضيع أنا شخصيا.
كم كانت فرحتي كبيرة حين استقرت سيارتي على خط السفر، وقد مررت قبل ذلك بالتسجيلات واشتريت منها مالذ وطاب من المحاضرات والأناشيد.. ثم انطلقت، لكنني فوجئت بأن المسجل أخذ في إصدار صوت مزعج ولم يقبل دخول الأشرطة، فأحسست بغيظ شديد سرعان ما تجاوزته، يا رجّال.. المهم أنني مسكت الخط وسأصل إلى رفحاء -بإذن المولى سبحانه- وليذهب المسجل في ستين داهية.
والآن.. لاشك أن كل شيء على ما يرام: السيارة.. الأغراض.. الشقة.. بووووم !!
اللقطة الأخيرة: أخوكم في الله بجنب الخط.. اختفاء ملامح وجهه بسبب الذهول.
السبب: انفجار إحدى الإطارات بعد أن خرجت من بريدة مباشرة.
على هامش الموضوع:
- [ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ (34) الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ (35) ]
- ومكلف الأيام ضد طباعها **** متطلب في الماء جذوة نار
- ليس يخلو المرء من ضد وإن **** حاول العزلة في رأس جبل
تمنياتي لكم بعطلة عامرة بالخير.
رآئع ما كتبت أخي رآكان ..
ردحذفوعسى ان تكرهوا شيئاً وهو خ ــير لكم ..
فلنتوكل على الله ..
ولندع الامور تسير كما يح ــب القدر..
أعج ــتني تلك المواقف ..
مع حمد لله في نهاية كل صدمه ..
ممتعه جداً ..
ويخالطها شيئاً من الفكاهة ..
فليستمر قلمك ..
بكل قطرة ابداع تحتويه ..
نعم.. فلنتوكل على الله، لو صدقنا في ذلك لاطمأن البال والحال عوكست الأمور أم لم تعوكس.
ردحذفبارك الله فيكم وشكر لكم طيب مروركم.