جاري تحميل ... مُدَونة كِتَاف

إعلان الرئيسية

إعلان في أعلي التدوينة




الضيق والاكتئاب المتواصل هو موضوع هذه الإجابة التي كتبتها ردًا على سؤال طرحه أحد الإخوة في إحدى القروبات، وملخصه الاستفسار عن خلاصة تجاربنا في التعامل مع الضيق المزمن والاكتئاب المستمر، والذي ارتبط في ظاهره بعقبات تواجه الإنسان وتلازمه في يومه وليلته، كوفاة قريب، أو مرض، أو صعوبات مادية، أو حالة طارئة عامة كالتي يمرّ بها الناس اليوم من حظر وقيود بسبب هذا الوباء، والذي لم يحتمل البعض تبعاته نفسيًا، فتأزّم وضاقت به الأرض، فكانت هذه الإجابة التي جاءت بناء على تجربتي الشخصية، وكل إنسان منا له تجاربه مع هذا الأمر، وقليل من يقيدها:

  • الفحص الجسدي بدايةً:


للتخلص من الوساوس كالتفكير بالأمراض النفسية، أو بسوء الطبع، أو اتهام شخصيتي؛ أتّهم جسدي أولًا، وأتبت من عمله بهذه الخطوات:

  1. فحوصات الغدة الدرقية.
  2. فحوصات الفيتامينات (يفضل الفحوصات الشاملة، أو فحص فيتامين د وب12 وب6).

ثم أراجع مستوى نشاطي الجسدي، فإذا كنت مرتخيًا إلى الدّعة فترة طويلة، أستعيد رياضة الهرولة على الأكثر، أو المشي السريع على الأقل في حياتي، بما مجموعه 3 ساعات مقسمة في الأسبوع (وهذا أقل المطلوب كما هي التوصيات الصحية والنفسية)، وأقلها في اليوم 40 دقيقة، مسبوقة بخمس دقائق أمشي فيها مشيًا عاديًا، ثم أنهي هذه الدقائق الخمس بتمارين تمدد للساقين، كي أُعدّ عضلاتهما للهرولة أو المشي، وفوائد المشي كثيرة، لكنها بما يتعلق بهذا الموضوع، فهي محفزة لهرمونات معينة تقاوم القلق والاكتئاب.

الخلاصة هنا، أن الخلل والنقص في بعض هذه الأمور يبتليك بأعراض مشابهة لأعراض الضيق المزمن، لذلك قبل أن أحكم على نفسي بالأمور المتطورة، أقول: (لعلي شخص صبور، ومعافى في نفسي وطبعي، لكنه خلل صحي بحت)، وبناء على هذا الشك.. أبحث عن اليقين في الفحص والرياضة.

  • أفحص واجباتي الحياتية (الدينية/الاجتماعية/المادية/البيئية):


فإذا اكتشفت أنني غير متوازنٍ معها (سواء كنت مبالغًا أو مقصرًا)، فهي -كالجسد- تصير موضع التهمة، وأرفع احتمال أنها سبب ما يجري من ضيق، فأحاول إصلاحه مباشرة، في ذات اليوم، فالتقصير في هذه الواجبات أو بأحدها، سيوقظ ضميرك، ويفعّل النفس اللوّامة، وهذا النقر على عقلك وقلبك دون خطوات عملية مباشرة للحل يورث الهمّ والنكد؛ لأنك بين مطرقة الضمير، وسنديان الإفراط أو التقصير.

  • أمور أثبتت نجاحها كل مرّة، ولم تخذلني يومًا:


كالدعاء، والأوراد المتعلقة بالغم والهم، فمثلًا من أذكار طرفي النهار أن تقول: «اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، والعجز والكسل، والجبن والبخل، وغلبة الدين وقهر الرجال» ففي الحديث أنك إذا قلتها «أذهب اللهُ عزَّ وجلَّ همَّك وقضَى عنك ديْنَك»، وكذلك في الصباح والمساء ترداد: «حسبي الله الذي لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم». ففي الحديث أنه من رددها 7 مرات كفاه الله ما أهمه من أمور دنياه، ومثلها كثيرة، ولا يلزم مطلقًا جمعها كلها، وإنما أنتقي منها ما أقدر عليه، كذلك الرقية الذاتية (تضع يدك على صدرك وتقرأ الفاتحة سبع مرات، وآية الكرسي أو البقرة كلها، والمعوّذات، وسورة الشرح.. كل واحدة منها ثلاث أو سبع مرات، وتنفث 3 مرات خلال القراءة، وسواء كان ذلك على جسدك مباشرة، أو في ماء تغتسل منه، أو ماء تشربه، والعبرة بالعمل بها، فلا أطيل التفكير فيها أو أؤجلها، كذلك ترداد آيات السكينة ليل نهار وقت الأزمات، وقد وجدت لها تأثيرًا عجيبًا، مع أنها ليست مبنية على وحي مباشر بالتوصية بها، وإنما خلاصة تجارب لبعض أهل العلم، وهذا مقبول، فالقرآن شفاء قطعًا، أما ما يناسب للقراءة والتشافي فهو مبني على التجربة من أهل الفضل

وفي العموم، قراءة القرآن الكريم، وقراءةٍ وردٍ منه في اليوم والليلة سببٌ مباشر في انشراح الصدر، واتزان النفس، والتوفيق العظيم، أما الانقطاع عنه، وهجره، فهو النكد بعينه، وليس من وراء ذلك إلا الجفاف والجدب في حياة الإنسان، مهما طوى من الأيام مغترًا بشيء من السلامة والإمهال.

  • التخلص والمواجهة:


وأقصد بذلك التخلص من أسباب النكد الأخرى، والتي تعدّ منبعًا لتراكمات تجلب الضيق، كالمجاملة في العلاقات الشخصية أو العملية، أو الانهزام النفسي المتجمّل بالعفو الزائف، أو الطيبة، أو المداراة، وهذه بمجموعها تحتشد حتى تكتم الأنفاس، وتثير الحزن، فلا بد من العتاب حيث لا مجال إلا له، ولا بد من المواجهة وقول (لا) في الوقت المناسب، ولا بد من أخذ الحق، حين تجد نفسك في موضع الاستغلال فلا مجال للطِيب وعمل المعروف.

  • تمارين الاسترخاء:


وهي تدريبات متنوعة، لها عدة طرق تعين تأثيرها جيد جدًا، وبعضها مباشر، وأخرى وقائية، وفي مجموعها تعين الإنسان على الاسترخاء، وليس فيها مقاومة (كالتدريبات السويدية) بل على العكس من ذلك، بسيطة، ومريحة، فقط ستحتاج إلى التركيز بداية حتى تعتاد عليها، وتجعلها قريبةً من ذاكرتك، وسهلةَ الممارسة، وهذا بالطبع يحتاج لتكرار، حتى ترسخ في عاداتك، ولها عدة مسميات: تمارين الاسترخاء، أو تدريبات التأمل، وكذلك كل واحدة منها يندرج تحتها أنواع مختلفة، لك أن تنتقي منها ما يناسبك، ويناسب بيئتك، مثل تدريبات الوعي الآني، وتنظيم التنفس، وتوتر العضلات ثم إرخاءها.. إلخ، والمعلومات عنها وفيرة إذا بحثت عبر جوجل.

  • تمارين التركيز:


وقد كنت أُسخّف منها نظرًا للآثار العجيبة التي يذكرونها عنها، ثم جربتها مرّة لفترة؛ فوجدت لها تأثيرًا ظاهرًا وجميلًا، خصوصًا بعد أسابيع من ممارستها، وصاحب هذا الحساب في تويتر كان يعاني من التشتت، ثم عالج نفسه بها، ويشارك خلاصة تجاربه مع المتابعين، وهذه صفحة له جمع فيها أهم التدريبات، ومثل ما سبق، تنتقي منها تدريبًا واحدًا أو أكثر، حسب قدرتك.. وكلما أكثرت وركزت وداومت.. كان لذلك أثرًا أكبر بلا شك.

  • الصبر بالتصبّر:


وهو ليس حديث بالمناسبة، لكن معناه صحيح، فإذا تصبّر الإنسان بأن يحدّث نفسه بالصبر.. صَبَر، فالصَبْر ليس مجرّد ردة فعل لحظة الوقوع فقط؛ بل قبله حديث نفس، ووعي وتثقيفٌ بمعناه لغة واصطلاحًا وأدلّةً ونماذجَ عظيمةٍ عليها، ووصايا بليغة، حتى تخالط الثقافة والتاريخ المحيطة بهذا المصطلح ذاكرتك ووعيك ولسانك، فتصير مستحضَرَةً وقت الحاجة إليها، من آيات قرآنية ونصوص نبويّة وآثارٍ وقصصٍ مؤثّرة وحِكمٍ وقصائد، فتردادها وقت الإقبال على الصعوبات، واستقبال الصدمات، سيشغل تلك اللحظات، فلا يسمح بالمصطلحات والألفاظ البديلة التي تلعب وتسب وتنوح وتستدعي اليأس.

وكم وردت من القصص المؤثرة التي حملت هذا المعنى، فكم قرأنا عن رجال صالحين أو نساء صالحات، نزلت عليهم الفواجع العظيمة في نفوسهم وأهليهم، فكان أول ما قالوا هو ما ملؤوا به وعيهم من معاني الصبر، فبعضهم مات بعض أهله في حادث واحد، فلم ينطلق من لسانه إلا قوله تعالى: (كان ذلك في الكتاب مسطورا)، وبعضهم يدعو بقوله تعالى (أفرغ علينا صبرًا) فلما هبطت الكارثة عليه، لم يزد على هذا الدعاء الذي لطالما لهج به، وبعضهم استحضر بيتًا من الشعر، وهكذا حلّت هذه المعاني العظيمة، بدلًا من دوافع الانفجاع، والاعتراض على قدر الله.


فإذا دام الضيق مع عملك بهذه الأمور، فلعل الواجب هنا أن يبادر الإنسان لمراجعة طبيبٍ نفسيٍ على عجلٍا للعلاج السلوكي (أي التوجيهات والتدريبات)، أو يراجع أخصائيِ العلاج نفسي للتوسّع نحو التطبّب السلوكي والدوائي، فالطب النفسي داعم ومعين لسد الثغور التي تتسرب منها حشود الضعف واليأس بسبب خلل هرموني خارج إرادة الإنسان، فالبعض تتراكم عليه الهموم، فتكفي معها هذه الطرق والخطوات، وآخرون تراكمت عليهم حتى انهارت بعض الجوانب في نفسه، انهيارًا يحتاج معها إلا ترميم لا يتمّ إلا بخليط من علاجٍ سلوكي ودوائي، فلا يصلح مطلقًا الاكتفاء بنصحه نصائح سلوكية، دون توجيهه نحو التشخيص النفسي، فهذا مناقض لمعاني التوكل على الله تعالى، وإهمال للأساس الأول فيها والذي جاء به نصٌّ نبويّ صريح، وهو اتخاذ الأسباب.
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

تزدان المدونة بتعليقاتكم وملاحظاتكم.

إعلان أسفل المقال