
هناك جُمَل وحكم متداولة تدعم الحق المحض، كقولهم: يُردّ الاختلاف إلى الكتاب والسنة. وهناك جُمَل وحكم متداولة تدعم الباطل المحض، وهذه تجدها عند أهل الباطل، ولا يمكن أن يقول بها مسلم أو يستدل بها مثل: الدين لله والوطن للجميع.
وهناك جُمَل أصفها بـ (الهلامية، الدبلوماسية) لا تدعم حقًا ولا تدعم باطلًا؛ بل هي مذبذبة بين هذا وذاك، وأعتبرها هروب من تحرير الاختلاف، ومجرّد إراحة للبال، وسكونٍ للدعة، وانسحاب من المعارك الفكرية، إن شاء صاحب الباطل أن يجعلها إلى جانبه.. صلحت له، وإن شاء صاحب الحق أن يجعلها إلى جانبه.. صلحت له، فهي مجرّد (إضاعة للوقت) وأعتقد أن ضعف الشخصية أمام الجمهور وأمام الإعلام له دور في إظهارها؛ لإرضاء الجميع، وإشباع رغبة الجميع، كي يسيروا في (دائرةٍ مفرغة) ولا يكرهوا صاحبها أو ناقلها، والذي مهما كان جلال قدره علمًا او فكرًا، إلا أن المسلم الفطن برأيي.. لا يضيع وقته في نشر المنشور، ومشكلة هذه الجمل باختصار هي (الإطلاق والعموم)، ومن أمثلتها:
1. نعذر بعضنا البعض فيما اختلفنا فيه.
طيب إذا كان الذي اختلفنا فيه يتعلق بوجود الله تعالى من عدمه؟! بصحّة النبوة من عدمها؟! بعدالة الصحابة رضوان الله عليهم من عدمها؟! حتى على المستوى الفقهي، هناك أقوال سخيفة أكثر من كونها تستحق الدخول في التراث الفقهي، كالأقوال التي تعتبر المحتل ولي الأمر، وأصلًا لو أتيت لمن يردد هذه القولة المطلقة وقلت له: ما رأيك بفقيه يبرر لأمثال بشار الأسد والقذافي، هل نعذرهم في اختلافهم؟! حينها ستعرف قيمة هذه الجملة الهلامية عند صاحبها قبل غيره، بعد أن يلقي عليك هجائية في حقارة من يؤيد المجرمين بفقه أو بفكر.
2. احترام الآراء.
وهذه ليست على إطلاقها، فليس كل قولٍ محترم، لأنه ليس كل فقيه أو مفكر أو أديب يُوَفّق لقولٍ محترم، وبالالتفات عشرة سنوات للخلف ستجد مئات الآراء التي طلب أصحابها أو طلبها عنهم غيرهم يطالبون باحترامها، وهي وردت في سياق كفري أو تغريبي –على الأقل- أعلاه أن يؤيد المحتلّ ويبرر له.
3. يوجد اختلاف.. اجتهاد.
كما أنه يوجد اختلاف في المسائل الفقهية، فإنه يوجد (راجح، ومرجوح)، فليس كل اختلاف يُعتبر اجتهادًا، بل بعضه وسيلة لإقرار باطل، وبعضه سذاجة من صاحبه وتشويه للإسلام، وانظر كيف يعتبرون اجتهادات(!) فقهاء تنظيم القاعدة أمرًا يُهجم عليه، لكن اجتهادات فقهية تدعم التغريب ونشر المجون والفسوق.. تعتبر اجتهادًا، هذا من الزيغ والانحراف والانهزام أمام موجات التغريب التي تخترق الخليج العربي بالذات.
قمّة السذاجة والخيانة للعلم ومقتضياته أن يذكر أحدهم رأيًا شرعيًا لو حرّك نباهته قليلًا لعلم أنه في موضعٍ وحال يُستغلّ فيه هذا الرأي وأمثاله ويُوظف لصالح أعداء الأمة وفي مشاريع مصادمة لثوابت وعقائد إسلامية.
4. تقبل وجهات النظر.
طيب إذا كانت وجهة النظر المقابلة تيقنت واقتنعت أنها (باطل) وأن وجهة النظر التي بحثت فيها وجدتها (حقًا) وارتقت فوق كونها وجهة نظر؛ كيف سأتقبل وجهة النظر المقابلة دون أن أجرح وجهة النظر التي تقينت من كونها حق؟! وبينهما تضاد فلا يمكن أن يجتمعا معًا.
مثلًا: كان لمقابلي (وجهة نظر) بأن الحجاب عادة وأنه ليس فرضًا، وكان لي (وجهة نظر) بأن الحجاب عبادة وواجبة، وأنه حتى العلماء الذين أجازوا حجاب الوجه كانوا متفقين على هذا الأمر، ثم عدت للكتاب والسنة واكتشفت أن (وجهة نظري) ليست مجرد وجهة نظر، بل ثابت من ثوابت الإسلام، ثم قرأت بأنني يجب أن أتقبل (وجهة النظر) المقابلة.. كيف نحل هذه المعادلة؟!
إن كان المقصود بتقبل وجهة النظر، بأن ننظر إليها على أنها حق، أو تحوي طرفًا من حق.. فهذا باطل؛ لأنه ما بني على باطل فهو باطل.
وإن كان المقصود تقبل واقع وجودها، فإننا نتقبل بهذا الأمر كما نتقبل بواقع وجود القبح والباطل والجريمة وكل شرٍّ في هذه الدنيا، لكن لا يعني هذا النوع من القبول ألا نواجه هذا الشرّ بالنكير الشديد من جهة، وبالدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة من جهة.
وبعدُ، فهذ أمثلة عامة لقواعد يُبنى عليها جمل هلامية لا تغني من حق ولا باطل، بل هي من الدبلوماسية التي أعتبرها نقصٌ وتهمة ضد أي عالم أو مفكر أو أديب يبرزها؛ لأنها هروب من الواقع إلى فضاءات مثالية مليئة بالمجاملة، ويكفي أن تعرف أن هذه الجمل والاعتقادات كانت نواةً لمؤتمرات التقارب التي حصلت بين أمة الإسلام وبين طائفة الرافضة، وفي الأخير اكتشف علماء الإسلام الذين أضاعوا وقتهم في تلك المؤتمرات أنهم كانوا يسيرون في دائرة مفرغة وأن هذه الدوبلماسية لم تفد إلا أصحاب الباطل في نشر باطلهم وتهوينه في قلوب المسلمين حينًا من الدهر، فانسحبوا منها وهاجموها، كما حصل للشيخ القرضاوي في هجومه الشهير والمتواصل ضد طائفة الرافضة بعد أن كان من دعاة التقارب وضحيّة من ضحاياها.
ثم الخلاف الفقهي لا يجعل الشيء حلالا أنت مطالب أن تبذل الوسع أكثر لا أن تتعذر به يقول الله تعالى (وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله ) وقال (فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر)
ردحذفصدقت أخي حمد، البعض يظن أنه بمجرد وجود الخلاف فإنه ينتقي ما يشاء، والسؤال هو: من يصنع الخلاف؟ وماهو دليله.
ردحذف