جاري تحميل ... مُدَونة كِتَاف

إعلان الرئيسية

إعلان في أعلي التدوينة

جوال-الكشّاف-نوكيا-1600

"يا ماما خلاص، الكشّاف صار قديم، كل أصدقائي اللي معاه آيفون 4، واللي معاه إتش تي سي، أقسم بالله طاح وجهي بينهم، صرت بينهم كأني مسكين.. معي كشّاف.. كشّاااف يا ماما.. كشّااااف واحنا عام 2011(!)".

كل مشاعر وملامح المَسْكَنَة والبراءة واللّطف والتذلل بادية على وجه ريّان وكلامه الذي يوجهه لوالدته، والتي ردّت عليه بابتسامة.. ثم قالت: "طيب يا حبيبي الكشاف مطوّر ألحين.. فيه كاميرا، ويدخل الانترنت، ويحمّل ألعاب.. إيش اللي مو موجود فيه وموجود بالأيفون؟!".

اتسعت عينا ريّان في دهشةٍ من كلام والدته وقال بحماس: "يا ماما من جدّك تبغين تعملين مقارنة بين الكشاف وبين الأيفون والجالكسي والمصايب هذي؟! لو صنعوا الكشّاف من ذهب ما ينفع في وقتنا هذا، خلاص يا ماما.. انتهى وقت الكشاف.. game over.. ما يمكن أبدًا إنه يكون له مكان ألحين.. مهما كانت الميّزات اللي فيه، أنا –على بلاطة- ما أبغى الكشّاف ولا أطيقه.. لأنه كشّاف، وأبغى الآيفون.. لأنّه آيفون".

أرادت الأم أن تخرج نفسها من الموضوع فقالت: "والله يا حبيبي الأمر بيد والدك، أنا عليّ إني أقول له، وبعدها مالي دخل.. تفاهموا بينكم، مع أني مقتنعة بالكشّاف.. هذا يا ولدي لو كان جوال الكشّاف معك قبل 10 سنوات إلى 12 سنة كان عرفت قيمته".

"هههههههههههه.. أي قيمة يا ماما، هذا حقّه رخام المطبخ ومطرقة الهدم، ترى أنا متحدّي على كسره.. لكن ما أكسره حتى يصير الأيفون بيدي، وبعدها يصير خير، لكن لا تنسين يا ماما تقولين للوالد.. الله يخليك".

هرول ريّان إلى غرفته، وجلس ليكمل لعبته الإلكترونية، لينتهي إلى مسمعه أكره صوتٍ في حياته، صوت جهاز الكشّاف إذا قاربت بطاريّته على الانتهاء، نظر إلى الجوال الملقى بعيدًا عنه باشمئزاز ثم أكمل لعبه، وبعد لحظات سمع نغمة الاتصال من الجوال فهرول لينظر إلى اسم المتصل وقفز ليتجاوز السرير ولكن سقط على الأرض بقوة.. ثم قام متألّمًا ليلحق على الاتصال ولكن انطفأ الجوال قبل أن يصل إليه.. فأخذه بغضب ورماه على الجدار لينفجر الجوّال بألوانٍ أحاطت الغرفة ببرزخٍ عائم تسبح حوله آلاف الجوالات القديمة.

نظر ريّان مذهولًا إلى ما يحصل من حوله ثم نظر إلى اللعبة التي يلعبها قبل أن يحول العالم بينه وبينها وفكّر بأنه قد أكثر الجلوس أمام عالم الألعاب الإلكترونية.. حتى وسوس، ففرك عينيه ودلّك حاجبيه ثم رفع بصره ليفاجأ بأنه ما زال في هذا البرزخ العجيب، وفي لمحة بصر ظهر أمامه رجل أحدب صغير الجسد يده اليمنى كبيرة كيد رجلٍ أربعيني، واليسرى صغيرة كيد طفل.. فجلس ريّان من الوجل، وانعقد لسانه من الخوف.. ومرّت لحظات صمتٍ عصيبة عليه، وغامضة على الرجل المخيف الذي أخذ ينظر إلى ريّان مستغربًا، فقال: "عسى ما شر يا ولدي، إيش فيك خايف كأنك شايف لك وحش أو مسخ؟!"

استفزت هذه الجملة ريّان فانتزعته من خوفه وشجعته على الكلام: "إيش رايك يعني، طولك أقل من متر، وظهرك أحدب، ويدك اليمنى كبيرة، والأخرى صغيرة.. وتقابلنا في مكان غريب، إيش تتوقع يعني.. أضحك مثلًا؟!"

غضب الرجل من كلام ريان فقال: "بدينا بالغلط، يا أخي متحلّي بوجهك ألحين، أنا شكلي كذا لأن هذي مهمتي.. شكلك ما عرفتني".

رد ريان ساخرًا: "لا والله ما عرفتك، ما عليش أنا من كثرة مقابلتي لأناس خياليين في عالم غريب لعلّي ضيّعتك ونسيتك.. ما عليش اعذرني لأنـ...".

قطع ريان كلامه بعد أن مدّ الرجل يديه فجأة حتى قرّبهما إلى عيني ريّان، وأخذ يقرب الكفين إلى بعضهما ويشبّك بينها، ثم ينزعهما ويبعدهما عن بعض، ويعيد تشبيكهما مرة أخرى.. وهكذا: "هاه يا ولدي.. ما تذكرتني؟!".

رد ريان: "الحمدلله والشكر على نعمة العقل، أنا كيف أتذكرك يبو الشباب، مو حاسس باللي أنا فيه.. طيّب أقل شيء ذكّرني".

شعار-لوجو-نوكيا-اليد

"طيب طيب" قال الرجل، "المفترض تحرّك عقلك شوي، لكن ماكو مشكلة، أنا –ببساطة- شعار شركة نوكيا!"

"شركة نوكيا؟" سأل ريان.

"إي نعم شركة نوكيا.. ألحين أنت مو إذا فتحت أي جوال من جوالات نوكيا تطلع لك يد صغيرة تتلامس مع يد كبيرة؟.. هذه ياولدي يداي".

تراجع ريّان إلى الوراء قليلًا، ثم قال: "أهاا.. يعني فوق إني موجود في عالم خيالي، وأشوفك قدامي بشكل جميل جدًّا(!)، طلعت حضرت جنابك شعار نوكيا اللي مستحيل أتخيل مجرد خيال إني راح أقابله يوم من الأيام؛ لأني ما توقعت إنه موجود أو يسوى شيء.. أو يستحق التفكير!".

توقف ريان عن الكلام وبلع ريقه بصعوبة وتنفس بعمق ثم سأل: "طيب ممكن أسألك إيش قصّة أبو الشعار هذا؟".

ابتسم الرجل وقال: "هذا طال عمرك شعار صار بالصدفة، أنا كل ما أبغى أفرقع وأطقطق أصابعي يلقطون فيديو ليديني قبل لا أفرقعهم.. ما عندهم سالفة المفروض يكملون الفيديو.. لكن ما ينفع معهم الكلام..".

"امحق شعار.. بس ما علينا، أنت ألحين خطفتني من الواقع إلى عالمك هذا.. إيش تبغى مني؟" سأل ريان.

تبدّت الملامح الجدية على وجه الرجل ثم قال: "اسمع يا ولدي.. أنا أرسلتني الشركة لأنك قمت بإهانة جوال نوكيا 1200 المطور، اللي تسمّيه عندكم باسم "الكشاف".. يخرب بيت الأسامي اللي عليكم، وقمتَ يا سيد ريّان بخيانة العشرة، وفوق هذا هددت بكسره.. ونفذت هذا التهديد لأجل عيون المنافسين الجدد".

سرت لحظات صمت تخشّبت فيها ملامح ريّان وهو يحاول أن يستوعب الموقف، بعدها قال: "شوف يا سيد شعار شركة نوكيا.. أنا ما راح أوقّف عند قولك: خنت العشرة. وأقول: أنا دافع فلوس الجوال المكسور، والدعوة في النهاية بائع ومشتري.. لا.. لا.. ما راح أقول كذا لأن هذا منطق، وأنا إذا شفت وجهك وأخذت لي نظرة خاطفة من حولي عرفت أن المنطق أخذ إجازة، علشان كذا.. هات من الآخر".

"راح أقول لك باختصار" قال الرجل، "الشركة قررت إنها تجعلك رأس في الكشّاف بدل ما تكون ذنب للأيفون والبلاك بيري والجالكسي.. وغيرها، علشان كذا عقوبتك هي إرجاعك 12 سنة للخلف، حتى تعرف قيمة ما تملك".

"ألّا غير هالسالفة ما عندك؟!" سأل ريان.

لم يجب الرجل على السؤال، بل أخذت ملايين الجوالات تدور من حول ريّان وتزداد سرعة دورانها بشدة، وشيئًا فشيئًا بدأت تتشكل شاشة مضيئة تحيط بريان من كل الجهات، مع ضوضاء وضجيج انقطع فجأة، وابيضّ المكان.. وسرت خلال ذلك لحظات صمتٍ تلاها ظهور شعار نوكيا مع نغمة شبك اليد الصغيرة مع اليد الكبيرة.. ليجد ريّان نفسه مع ذات زملائه في الصف.. وذات المدرسة.. وذات المرحلة الدراسية.. ولكن عام 1999م.

على غير المتوقع، لم يفرك ريان عينيه، ولم يخف أو يُصدم.. بل لم يكن مباليًا بالنظر إلى أنه قد قَدِمَ للتو من عالم غامض قابل فيه شعار شركة نوكيا.. إلى عالم ألصق بواقعه مع الرجوع 12 سنة للخلف.. لذا لا داعي للخوف.

(يتبع إن شاء الله تعالى)

اضغط هنا لمتابعة الجزء الثاني من القصة.



تعليق واحد
إرسال تعليق

تزدان المدونة بتعليقاتكم وملاحظاتكم.

إعلان أسفل المقال