جاري تحميل ... مُدَونة كِتَاف

إعلان الرئيسية

إعلان في أعلي التدوينة

أليس-في-بلاد-العجائب-لوحة-فنية

طالب أحد الكتاب المعروفين قراءه أن يعرضوا مواقف ومظاهر سلبية في المجتمع بعبارة نفي الاحترام عن أصحابها، وتجاوز تفاعل القراء في ردودهم إلى أكثر من 100 رد، كلها تنفي الاحترام عمن يرونهم أصحاب مظاهر سلبية في المجتمع، بعضها أتفق معها، وأخرى لا تخلو من مبالغة، وثالثة لا تعني شيئًا.. إذا أردناها صريحة.

ما لفت نظري هو قول أحدهم أنك إنسان غير محترم حين ترى الصواب معك دون غيرك(!)، والذي زاد عجبي وجود موافقين له.

هذه الجملة نتيجة تعبئة تابعة لكلمات ناتجة بطريقة أو بأخرى عن طرحٍ صاخبٍ له عدة سنوات يدور حول (الحرية) و(تنمية الذات).. ونحو هذه الأمور التي تنتج (موضة) تعتري البعض أكثر من كونها (فكر) و(رأي) قد اقتنعوا به، مع محاولة الكثير من هؤلاء إنتاج جملٍ تشابه في إنشائها وصياغتها وأسلوبها تلك الجمل المنتشرة بين الناس من قبيل: قال برناندشو، تقول الحكمة الصينية.. إلخ هذه الموضة الجميلة في بعض جوانبها، الثقيلة في جوانب أخرى، وكلها تصاغ بدافع انتقاد المجتمع أو توجيهه.

بغض النظر عن أصحاب هذه الأفكار، فبالنظر إلى أمثال هذه الجمل ستعلم أن هناك هدمٌ معيّن تقوم به هذه العبارات والتي للأسف تصدر من أناس من المفترض أن يكونوا مفكرين، أو –كما يرون أنفسهم- منفتحين ومربّين، هذا الهدم ينال شخصية الإنسان، ومواطن الثقة فيه، والبناء.. والعظمة كذلك إن وُفق وتعب وسعى، وهي ناتجة عن ضعف في الشخصية، أو رقة في التدين، أو الذوبان أمام أي ضغط ديني أو اجتماعي أو سياسي.. أو حتى أمام الطفولة أو المراهقة، وله مظاهر أخرى -غير ما يتعلق بهذا الموضوع-، كمسألة (عبادة الطفل) –ولها فيديو سأنشره في الفترة القادمة بإذن الله تعالى-، وانهزام المربي أمام المتربي.. وغير ذلك.

ما هو من قبيل هذا الأمر ويتعلق بفكرة الموضوع: هزّ معاني (القناعة) و(المبدأ) و(الحقيقة) و(الثقة) لدى الناس، وقبل ذلك هزّها لدى من يقول بها ويصيغ لها من الألفاظ ما يصيغ، حتى تحول البعض إلى (برودٍ) يمشي على الأرض، وتستطيع أن تصفه بالآتي: كان خلقه البرود الفكري، كان خلقه البلادة.. ونحو ذلك، ومن جهة أخرى هذه الجمل تُوجَّه إلى أنموذج واحد لإنسان يُتخيل ولا وجود له، مع أن الأمر لا يجري بهذه الطريقة، ولنأخذ الجملة التي كتبت لأجلها هذا الموضوع ولنركز عليها كلمة كلمة: (الإنسان الذي يرى نفسه على صواب دون غيره إنسان غير محترم!)، ولنقوم بتشريحها –في الواقع لا الأنموذج المتخيّل- كالآتي:

أولا: من هو هذا (الغير)؟
ثانيًا: إذا كان هذا الغير متفق معي فلن تجد بشرًا يتفق مع أحد وفي نفس الوقت يراه على خطأ، يعني فطرةً سيكون هذا (الغير) من ربعك في الرأي، لذا ستكون هذه الجملة مضحكة.. ولا داعي لها.
ثالثًا: إذا كان هذا (الغير) يختلف معي في (مسألة، موقف، رأي) فمن الطبيعي جدًا أن أراه على خطأ لأنني أمتلك رأيًا ومقتنعٌ به، لذا –عقلًا- سأرى نفسي على صواب دون ذلك (الغير)، وهو بدوره يراني على صواب دوني أنا، ولذا وجد الاختلاف، والحوار.

إذن.. المسألة لا تلقى على عواهنها، خصوصًا حين يطالب البعض بأن نأتي بأمثال هذه الجمل إلى طاولة حوار حساسة تتعلق بالثوابت بشكل مباشر أو غير مباشر، ويستشهدون بمقولات شهيرة للشافعي وحسن البنا وغيره، دون استثناء للثوابت في سياق طرحهم، ولو مرّة واحدة، مما يجعل الثوابت نفسها على طاولات حوارٍ لا تساوي شيئا إذا كان أطرافها من ذات الدين، لأنها تصلح للتحليق في بلاد العجائب مع أليس، فهي بعيدة عن الواقع، وفي أمور الدين –حتى الأمور الفقهية التي يصوّرها الإعلام وضحاياه كأنها: حقرة بقرة واحد ثنين عدّ العشرة- هناك ثوابت فقهية، فكيف بالعقيدة؟! وكيف نكون على أرضيّة دينية ومنهجية واحدة وننشر التهوين من العبث الحواري (الجدلي في حقيقته) بالثوابت بيننا نحن؟!

من أهم ميّزات الإنسان (المسلم) و(الحر) وصفات العظمة المعروفة هي (المبدأ) و(الثبات عليه)، لكن هناك أطروحات تجعل (عيش حياتك) أهم من (المبدأ)، والدعاية للتخفف من الأعباء والمسؤوليات (الدينية طبعًا، الدنيوية لا أحد يتجرأ عليها!) تكاد تنافس الحث على الصبر ومجابهة الحياة والقيام بأعباء التكاليف، لذا التفتوا دائمُا لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (حفت الجنة بالمكاره، وحفت النار بالشهوات)، ولا تلتفتوا لمن يعدكم بجنة حُفّت بالشهوات، ونار حفّت بالمكاره، والتفتوا لقول الله تعالى: (سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار)، وفكروا بمن ينادي لآخرةٍ لا تحتاج إلى صبر، فأنت ترضي جميع الأطراف، وبذلك تنعدم معاني الإيذاء والسخرية والقبض على الجمر.. ونحو ذلك مما يلاقيه المؤمنون لمجرد إيمانهم: (أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين).

هذا على الصعيد الديني، أما الدنيوي فالناس –في الغالب- أكثر انتباهًا لها لذلك يعلمون مثالية هذه الأفكار وعدم منطقيتها بالنظر إلى صعوبات الحياة وحديّة قراراتها وعدم إنصاف ظروفها لأحوالهم.

وللإنصاف، فإن العبارة التي انتقدتها في بداية الموضوع تصحّ إذا أضفنا لها كلمة (دائمًا) لتصبح حينها: (الذي يرى نفسه على صواب دائمًا دون غيره، فهو إنسان غير محترم)، سأتفق معه بقوة والدليل بعض من نسميهم (مْغَالطيّة المجالس) الذين يعترضون دائمًا ويخالفون لمجرد الاختلاف (واسألوا مجالس كبار السن، وبعض مجالس الشباب)، أذكر أنني حضرت مجلسًا من هذا النوع فكدت أن أقتل الذي أمامي لأنه أخذ بالمغالطة من أول الجلسة إلى آخرها، فهو الذي على صواب دائمًا والدنيا كلها على خطأ.. كان مجلسًا طويلًا لا أراكم الله ثقيلًا.

أخيرًا.. كنت أتمنى أن أكون أكثر وضوحًا في شرح مقصدي من هذا الموضوع، لكنها خاطرة عابرة لم تكتمل جوانبها في بالي، ولكن مجموع انتقادي هنا يتعلق بالجمل والأفكار التي تصوّر حياةً مثالية، وآخرةً سهلة المنال، وأهدافًا قريبة المتناول، وعالمًا كله على صواب، تحت غطاء تربوي أو تنموي.. ونحو ذلك.

تعليقان (2)
إرسال تعليق

تزدان المدونة بتعليقاتكم وملاحظاتكم.

إعلان أسفل المقال