جاري تحميل ... مُدَونة كِتَاف

إعلان الرئيسية

إعلان في أعلي التدوينة




في أول سنة لي في المرحلة الثانوية كنت أتجول في [ الفسحة ] بين الأزقة والساحات أتذوق الساندويتش على مهل، وأكرع من العصير البارد، وألتفت من حولي (أبحلق) في تفاصيل الحرب الباردة بين الطلاب والطلاب.. والمدرسين والطلاب.. والمدرسين والإدارة.. والفرّاش والعامل.. والعامل والطلاب.. والعامل ونفسه.. يعني باختصار فات أوانه: بين الجميع.. ما عدا أنا، خبركم كنت هادئا على قدّ حالي لا أبحث عن المشاكل.. وأبتعد عن الأراضي التي تبحث فيها المشاكل عن الناس.

وفجأة.. ظهر من اللاشيء.. أو في الحقيقة ظهر من إحدى الزوايا التي مررت من عندها شابٌّ عريض المنكبين، ملامح وجهه تعكس شيئا أعبر عنه بـ [ هذا الذي كان ينقصني ].. أي أنه يحمل ملامح (العربجة)، وليس هذا فقط.. بل ملامح (اللقافة) كذلك.. ويا سلام سلم على هذا المزيج: عربجي وملقوف.

اقترب مني واضطرني إلى أضيق الحلول: الوقوف أمامه. وقد كان يكبرني بسنوات، أعتقد أنه قد رسب في الثانوية بعدد شتائمه التي انهالت علي، وتهديداته التي أمسكت بتلابيب مشاعري وهزت فؤادي ودارت بي الدنيا وأحسست أنني في مشكلة عويصة ومصيبة عظمى ظهرت بسبب توعده بأن يكفخني -لوجه الله!- بـ [ الطلعة ] يعني حين الخروج، [ ياااه.. سيضربني هذا الغول أمام البقية وسيتدفق ماء وجهي وسأهون أمام الطلاب! ] أذكر ذلك في نفسي، وأردد في لسان حالي قول الأصمعي: وَلِي وَلِي يا وَيْلَلِي.

قد يسأل سائل: غريبة.. ألهذه الدرجة؟!

سأعرفكم على بعض؛ أيها السائل: هذه نون النسوة، وأنتِ يانون: السائل هو (أنا)!

نعم.. حتى أنا سألت نفسي بعدما كبرت: لماذا أحتقر اليوم ما كنت أعتبرها مصائب مرت علي في حياتي الطفولية وفي المراهقة وما بعدها بقليل؟! والجواب يدور حول خبرة الزمن.. ولزوم السذاجة الجميلة أحيانا لدى الطفل والمراهق.. فلذلك من الطبيعي ومن حقهم أن يعظموا ما نبصره صغيرا لا يستحق إثارة مشاعر الأسى والخوف والمهابة لأجله.

بعد تلك التهديدات التي انطلقت من فمه مع بعض النقاط اللعابية ورائحة الدخان الكريهة؛ انطلقت هائما على وجهي في أرجاء المدرسة.. ثم وُفّقْتُ للذهاب مباشرة بعد تفكير سريع إلى وكيل المدرسة وقمت بإخباره بما حصل، وأنني -يعلم الله- لم أفعل له شيئا.. ولأول مرة أقابله.. ثم أشرت إليه من فوق، وذلك الشاب يمشي (واثق الخطوة) بين الطلاب، في مشهد فظيع لمن هم في مثل أعمارنا ذلك الوقت، أنا ودي أعرف بس من قائل هذين البيتين أريده في كلمة رأس:

واثق الخطوة يمشي ملكاً **** فيه نبل وجلال وضياء

مشرق الطلعة في منطقه **** لغة النور وسر الحكماء

ياعزيزي: يمشي ملكا تمام.. لكن أي نبل وإشراق طلعة ولغة نور تجدها في هذا الماشي؟!

هنا ينقطع المشهد.. ويظهر مرة أخرى وهو يصوّر خروجي وقت الظهيرة قلقا متوترًا لأبعد حد، فلا أعلم صراحة -في تلك اللحظات- أصنع الوكيل شيئا يُذكر أم أنه أجّل ذلك أو نسيه ببساطة. لم أمشي واثق الخطوة، بل كأنني في أرض شوك، خرجت بعد أن تخيرت إحدى الأبواب الداخلية ثم الخارجية بدقة المرتاب.. إلى أن وجدت نفسي في الشارع وحيدا من الداعم والمنْجد.. وفجأة.. أحسست بارتباك هزني هزا إذ مرّ ذلك الشاب بسيارته، لم ينتبه في أول الأمر.. لكن بعد ذلك أبصرت عينه وقد اختلست نظرة مفاجئة إلي ثم قطعها الشاب بالتفاتة سريعة قلقة نحو جهة أخرى وبارتباك واضح.. وكأنني لست موجودا، وكأنه لم يلوي أحاسيسي، ويهبط بحجابي الباطن بتهديداته وقت الفسحة.. حتى أنني من الفضول رغبت أن أتأكد منه إذ أسأله: بالله لو سمحت عزيزي؛ ليش ماكفّختني؟!

وهكذا.. كان الشعور بالارتياح في ذلك الموقف درسا لي في كل المواقف التي بعده، فكنت أصارح من أثق به في كل مشكلة أرى بأنها عويصة.

أقول هذا الكلام حين لاحظت التكبر على نونات النسوة الصغار من قبل نونات النسوة الكبار، شيء يقارب الاحتقار.. لكنه ليس مباشرًا بل أسلوب حياة، فلذلك تجد بعض الصغيرات قد اعتدن على كلمات من قبيل (انطمّي) (إنت وش عرفك) (مالك شغل) (اطلعي برا أبي أتكلم مع فلانة في سالفة تخص الكبار).. كيف ستصارح فتاةٌ -سَمِعَت هذا الكلام ومثيله وتشبعت منه- أختها أو أمها وهنّ بالدور العلوي في تعاملهن معها؟!

كتبت هذا المقال بعدما قمت بأخذ أخي الصغير في الثالث ابتدائي وأختي الصغيرة في السادس ابتدائي وقمت بعمل جولة لهم في مدينتنا الصغيرة، وشراء الآيس كريم ثم الحديث المخطّط المقصود عن أحداث طفولتي ومراهقتي خصوصا تلك المصائب التي حصلت معي وإظهار جانب الصراحة فيها مع ترك الفرصة لتبادل الأحاديث فكان ذلك رشوة(!) اجتماعية نتيجتها ثرثرة طفولية لا تتوقف تحكي تفاصيل مهمة وغير مهمة ومضحكة وبريئة، ومن تلك المحادثة حفظت الكثير من اهتمامات أخي وأختي ومشاكلهم إضافة إلى كوني قد حظيت بثقتهما.. مما يحفزهما إلى الصراحة، ولا بأس من المزيد منها من خلال الكثير من الرشاوي الاجتماعية.

صدقوني.. في إحدى الأيام، ومع هذه السياسة التي أقوم بها بين الحين والآخر.. جاء إلي أخي وأخبرني أن أحد كبار الحارة قد تعرض له بكلام لا يصلح، فذهبت إليه وأخذته بكلمة رأس من نوع آخر.. فكان بعد ذلك- يتوارى عن أخي تواري الهائب له، وبعض النسوة -الله يكافينا- يشاركن في تأسيس طبقية تعاملية.. فإذا اكتشفن فيما بعد أن بناتهن أو أخواتهن الصغيرات قد أنشأن لأنفسهن عالما من الأسرار الجميلة أو القبيحة -لا قدر الله- صرخن واحتججن وربما لمن الصغيرات بلا ذنب.. وهن في ذلك أيضًا لم يزلن في ذلك الطابق التعاملي.. العلوي، بالنسبة لي.. مجرد التفكير بأن أنظر من خلال أعين أولئك الصغيرات المسكينات لأخواتهن وأمهاتهن الكبيرات المتكبرات يصيبني بالقشعريرة والمهابة.. والمذلة.

- هذا اللي ناقص.. تبغوني أصارحكن بعد وانتن كذا.. والله !

ضميري: يابو الشباب.. من تكلم !

أنا: لا.. ولا حاجة.. بس اندمجت في نظر تلك البنات.. وهن يبصرن بأعينهن الصغيرة والبريئة تصرفات بعض النسوة المتكبرات من القريبات، مع رغبتهن الشديدة بالصراحة معهن حول همومهن ومشاكلهن فتكلمت بلسان حالهن وقد وضع التعامل المتعالي حاجزا عن الصراحة.. بس استر على ما واجهت.. كان كلام بسيط.

ضميري: بالله أبعد شوي.. أبغى أشوف أولئك المتكبرات من خلال أعين الصغيرات.

أنا: تفضل.. بس ترى المنظر مرعب ما أنصحك.. متأكد؟!

ضميري: إيه متأكد.. ما عليك.. أنا جلد صابر.. أشوف بس !

- (...) !

أنا: ياولد.. ضميري.. أفااا.. اتصلوا على 997.. يا ناس دقوا على الاسعاف !
9 تعليقات
إرسال تعليق

تزدان المدونة بتعليقاتكم وملاحظاتكم.

  1. .
    .

    هههههه ..

    رائع ، وساخر ، وجميل ..
    حلوه فكرة الرشوة لأجعل جمع المعلومات ، لكن اللؤم اللي فيها مش كويس !

    مجنونة فكرة النظر من خلال أعين الصغيرات .. تصلح لأن تكون مقالاً مستقلاً ..

    دمت راشياً .

    ردحذف
    الردود
    1. استاذ راكان تكفففى ابي حسابك. بتويتر الله يخليك أنا أكثر وحده بالعالم معجبه فيك من يومي بثاني متوسط تقريبا وانا اتابع مقالاتك والحين أنا بتخرج من الثنوي من كثر ما أستمتع بمقالاتك ما احس بطولها مع أني ما احب القراءه بس مقالاتك غيرررر@S111Saraتكفى تابعن امنيتي اتعرف عليك

      حذف
  2. اللؤم خير !

    فكرة النظر من خلال الصغيرات تطلب شجاعة وجلدًا وخلو من الأخلاق المضرة بالشخصية القوية.. انتبه لنفسك ! :|

    دمتَ تضع مسافة بين علامات الترقيم والكلمة التي قبلها ! :)

    ردحذف
  3. يعجبني دائما ذلك الشخص السوبر ماركت والذي يشكل الصدر الحنون للصغار أو البطل المغوار القادر على حمايتهم من مشاغبات أقرانهم ...

    المفاجأة تشكي يالعرفي

    ردحذف
  4. أخيرآآ رآكآن عارف اللحيدان ...,من متآبعيك ع مجله حيآة للفتياات .. يعطيك العافيه ع كتاباتك الحلوه

    بأنتظآر جديدك =)

    نون النسوه

    ردحذف
  5. واحد متهول’ يا حليل مشاغبات أقرانهم، بلاك والله من بلاوي اللي مو أقرانهم.. إيش المفاجأة؟!!

    نون النسوة’ أهلا بنون النسوة.. ومرحبًا بكم،وحياكم الله دائمًا في المدونة وفي المجلة كذلك.

    ردحذف
  6. رآآآآآآآآآئعه جدا جدا جدا ^_^

    صدقت ، وآعآن الله صغيراتنا لآن يؤثرن الصمت على البوح ،
    ذلك ان الاذن لا تسمع =(


    نون نسوة أخرى ^_^

    ردحذف
  7. ترانيم الحلم’ بإذن الله تعالى.. يشرفني مروركم بارك الله فيكم.

    ردحذف
  8. اخي راكان
    هذه من أفضل مقالاتك حتى الآن ، جميلة جدا ورائعة ..
    :)

    ردحذف

إعلان أسفل المقال